ضغط موضوع الإعلام بشدة على العقول والنفوس والأوقات في السنوات الأخيرة بعد أن صار قوبة لا يستهان بها، لاسيما مع وسائل التواصل الاجتماعي. وقد انبرى الإعلاميون النبهاء إلى نقاش قضايا الحرية والحيادية والارتقاء المهني. حيث بدا الجميع متفقون على أن قدرا معقولا من الحيادية مهم للإعلام كي يؤدي دوره المهني على الوجه الأكمل، وأن الشفافية وانسياب المعلومات بلا كوابح ولا حواجز أو قيود عملية ضرورية لإيجاد إعلام قادر على المنافسة، يتمتع بالمصداقية، ويتحرى الدقة في كل ما يطرحه، ويحترم عقلية المتلقي، ويدافع عن حقه في معرفة ما يجري. 
لا يمكن أن نفهم على وجه الدقة معنى الحياد الإعلامي من دون إمعان النظر في السياق العام الذي يحكم عملية الاتصال بوجه عام، إذ يجب أن ننظر إلى هذه القضية في ضوء الأخذ والرد حول استشراف أثر التطور التكنولوجي ومتطلبات الفضاء المفتوح على الاتصال بوصفه عملية نفسية اجتماعية ضرورية للإنسان، وحقلا معرفيا يدرس تبادل المعاني بين الأفراد في المجتمع عبر نظام مشترك من الرموز، ينتشر في الزمان والمكان، ويتمتع بالاستمرارية وقابلية التنبؤ، فالثورة التقنية التي شهدها عالم الاتصال في العقد الأخير أزاحت من طريقها مفاهيم قديمة عن الإعلام، وجرفت أمامها تصورات طالما ربطت بين الإعلام والسيادة، وخلطته بالدعاية والوعظ، وأخضعته للرقابة الشديدة التي تسببت في حجب المعلومات عن الناس.
وبدت الكوابح التي ترمي إلى الحد من أي آثار سلبية لهذه الثورة، مثل ميثاق الأمم المتحدة، والدساتير والقوانين الوطنية، والخصوصيات الثقافية والاجتماعية، ضعيفة أمام قدرة شبكة المعلومات على اختراق الحواجز، وتحدي السيادة الوطنية. فالفضائيات التي باتت حقلا مربحا للاستثمار، تنقلها الأقمار الصناعية إلى كل مكان، من دون أي عناية بالمفهوم التقليدي لسيادة الدول، ولا مراعاة لأي خصوصيات تصنعها الأديان والتقاليد والأعراف. والإنترنت تطور بمجتمع المعلومات من الحاسوب الشخصي إلى الطريق السريع للمعلومات، وفتح الباب أمام استخدام وسائل إعلامية أسرع وأشد انتشارا ونفاذا في الحرب والدعاية، وفي التجارة الإلكترونية، وفي مجالات خدمية مثل الطب والتربية والتعليم... الخ، ثم جاءت مواقع التواصل الاجتماعي لتعطيه أفقا أوسع.
ومما يبدو جليا لكل عين بصيرة وعقل فهيم أنه لا يمكن رسم معالم مستقبل للإعلام العربي، المقروء والمرئي والمسموع، هو وغيره من الإعلام المحلي لأي دولة، إلا في إطار هذا السياق الأوسع، ولا يمكن تقبله إلا مع التقدم المستمر نحو حرية التعبير، والترقي المتتابع في استخدام أحدث التقنيات، مع التركيز على تنمية المهارات المهنية، بالتدريب المستمر، وترقية الجوانب الإنسانية للعاملين في الحقل الإعلامي.
إن للإعلام بأنماطه ووسائله المتعددة دورا بالغ الأهمية في بناء الإنسان عبر تعزيز انتمائه الوطني وتثقيفه وتعريفه بحقوقه وواجباته في الميادين كافة، وكذلك في بناء المجتمع من خلال الارتقاء بالرؤى والتصورات التي تساعد الناس على أن يصبحوا قيمة مضافة في عملية التنمية وانصهار الجماعة الوطنية والالتفاف حول مشروع قومي للدولة.
ويمثل الإعلام المنبر الجماهيري الأضخم للتعبير عن آراء المواطن وهمومه وعرض قضاياه وشكاواه، بل إن وسائل الإعلام الحديثة، في ضوء حرية تدفق المعلومات وعصر السماوات المفتوحة، باتت هي أبرز الأدوات لانتقال الثقافات وتبادل الخبرات بين مواطني مختلف الدول في شتى بقاع المعمورة. وعلى المستوى المحلي باتت وسائل الإعلام في بعض الدول تؤدي دورا يفوق دور الأحزاب السياسية وجماعات المصالح. 
وتعد قضية تطوير أداء الإعلام العربي ليرتقي على المستوى والمهني والأخلاقي ويعكس نبض المجتمع من المسائل الجوهرية التي تشغل همَ المسئولين والكتاب والمثقفين والإعلاميين أنفسهم، فالجميع من الضروري أن يبحثوا باستفاضة دور الإعلام في تناول القضايا التي تشغل بال المجتمع، بغية الوقوف على درجة أداء الإعلام لوظائفه الرئيسية، وعلى مدى وجود جوانب خلل وقصور، بما يسهل عملية البحث عن الإستراتيجيات المثلي لصناعة إعلام قوي ومفيد.
ـ ـ. ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ 
* روائي ومفكر مصري