أهم قضية في انتخابات هذا العام ستكون عن الطريقة التي يشعر بها الناخبون تجاه دونالد ترامب. فقد أظهر استطلاع حديث للرأي أجراه مركز «بيو» البحثي أن 51% من أنصار ترامب أعلنوا أن العوامل الرئيسية الحاسمة في تصويتهم كانت شخصية ترامب وقيمه وأسلوبه في القيادة. بينما أعلن 56% من أنصار بايدن أن ما يحفزهم هو «التصويت ضد ترامب». هذه الانتخابات ستكون عن دونالد ترامب. وبعد كل ما رأينا منه وعلمناه في السنوات الأربع الماضية، ربما من المعقول أن يسأل المرء: لماذا مازال يسيطر ترامب على دعم قوي من كثير من الناخبين؟ 
هناك اقتباسان نشرتهما صحيفة «نيويورك تايمز» في الأيام القليلة الماضية يفسران هذه الظاهرة، أحدهما للرئيس دونالد ترامب والثاني لأحد أنصاره. وجمع الاقتباسين معاً يساعدنا في تفسير أهم آلية تحرك الانتخابات. الاقتباس الأول هو مقتطف من كتاب ترامب «فن الصفقات»، ويقول فيه «إنني أخاطب خيالات الناس. الناس يريدون تصديق أن هناك شيئاً هو الأكبر والأعظم والأكثر بروزاً. إنني أطلق على هذا غلواً صادقاً. إنه بريء من المبالغة وصيغة فاعلة للغاية في الترويج». 
والمقتبس الثاني، صادر عن أحد أنصار ترامب بعد اجتماع انتخابي. فبعد أن أشار إلى أنه لا يستطيع فهم ما يقوله الرئيس دائماً؛ لأن نظام الصوت لا يعمل بشكل ملائم، استرسل قائلاً «يمكننا رؤية ما يراه. والشعور بما يشعر به. يمكننا رؤية الضحك والمرح والإثارة. وفي المرات القليلة التي استطعت سماعه، كان هذا جيداً. علمت أنه كان من المفترض أن أصفق. لم أعرف ما الذي أصفق له، لكني صفقت». 
ومن نافلة القول، إن الانتخابات لا تحسمها إلى حدٍ كبير البرامج السياسية المطروحة بقدر ما يحسمها تصورات الناخبين. ورغم أن الرعاية الصحية والاقتصاد وتغير المناخ والإجهاض، كلها نقاط شديدة الأهمية، لكنها لن تكون عوامل حاسمة لكثير من الناخبين في نوفمبر المقبل. ونشر «الديمقراطيون» برنامجاً مفصلاً يبسط طريقة تعامل إدارة بايدن مع معظم القضايا التي تواجه البلاد هذا العام لأول مرة فيما تعيه الذاكرة. لكن «الجمهوريين» لم يقدموا أي برنامج، وأشاروا إلى أن «الرئيس سيخوض السباق بناءً على سجله والوعود الذي وفى بها». فما الذي يعنيه هذا بالضبط؟ 
لم يفِ الرئيس ترامب بأبرز وعوده لحملة 2016. فقد وعد بإقامة «جدار كبير جميل» تمول تكلفته المكسيك. وفي السنوات الأربع الماضية، لم يبن إلا بضع مئات من الأميال بتمويل استمده الرئيس من ميزانية البنتاجون. ووعد مراراً بالقضاء على برنامج «أوباماكير» ليحل محله «أعظم نظام للرعاية الصحية في العالم». وهذا لم يحدث، بل أصبح ما يقرب من عشرة ملايين آخرين من الأميركيين من دون تأمين صحي، نتيجة إضعاف إدارته لبنود برنامج أوباماكير. 
ووعد بـ «تجفيف المستنقع» من جماعات الضغط في الحكومة، لكنه ملأ وزارته والمناصب الإدارية الكبرى ببعض أشخاص من جماعات الضغط الخاصة من أي إدارة في التاريخ. ووعد بإعادة وظائف التعدين والتصنيع إلى أميركا. لكن الذي حدث منذ توليه المنصب، أننا فقدنا ما يقرب من ربع مليون وظيفة في التصنيع وسبعة آلاف في التعدين. وبخلاف إقرار تقليصات كبيرة في الضرائب أفادت الأغنياء وتعيين قضاة محافظين وتخفيف اللوائح الحمائية للصناعة والبيئة، لم يف ترامب إلا بالقليل للغاية من وعوده. وهذه الأفعال لا تفسر بالتأكيد سبب احتفاظه بمثل هذا الدعم القوي وخاصة وسط ناخبي الطبقة العاملة. فلماذا، مازال يحتفظ بدعمهم؟ هذا بسبب المقتبسين اللذين أشرت لهما في البداية وهو أن ترامب استشف ما يريد الناس تصديقه. 
وفي مؤتمر الحزب «الجمهوري» عام 2016، أخبر ترامب الناخبين بأن المشكلات التي تواجه أميركا كبيرة للغاية؛ لذا لا يستطيع أحد غيره إصلاحها. فقد شعر كثيرون من الناخبين المستبعدين أنهم بحاجة لتصديق ترامب بأنه سيكون بطلهم ويجعلهم رائعين من جديد، بعد وقوعهم في دوامة التغير الاجتماعي وعدم الأمن المالي والشعور بأن النظام السياسي يتجاهلهم ويعتني بآخرين. وبعد أربع سنوات، ورغم أنهم لم يصبحوا أفضل مما كانوا عليه من قبل، يعز عليهم الاعتراف بأنهم ربما كانوا على خطأ. ولذا واصلوا التصديق؛ لأن البديل مر للغاية. ومثل المشاهدين في قصة «ثياب الإمبراطور الجديدة» لهانز كريستيان اندرسون، ربما يعلم بعض الناخبين أنهم خُدعوا، لكن الاعتراف بهذا صعب عليهم. 
ما سيتقرر، إذن، في نوفمبر هو مدى استعداد أغلبية من الناخبين البيض الذين يشعرون بالاغتراب للاستمرار في تصديق دونالد ترامب أو قدرة جو بايدن على الفوز بدعمهم. وإذا أراد بايدن الفوز، يتعين عليه ألا يكتفي بانتقاد الإدارة الحالية، بل يكسب ثقة الناخبين بأنه يفهم طموحاتهم وسيستجيب لها.
*رئيس المعهد العربي الأميركي - واشنطن