جرائم الحرب التي ارتكبتها تركيا في دول مختلفة ظاهرة للعيان، لكن ما يجب كشفه هو تكتيكات تركيا في استخدام المرتزقة الأجانب لخوض حروبها، فقد وثقت الأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان الانتهاكات في عفرين وتل أبيض من قبل مجموعات مؤيدة لتركيا من سوريا، وقد تم إرسال آلاف السوريين إلى ليبيا في يناير 2020، والآن تم إرسال المئات إلى أذربيجان لمحاربة الأرمن، وفقاً للتقارير.
ما الذي يحدث بالفعل هنا؟ استخدام تركيا للمتمردين السوريين في خوض حروبها الخارجية أمر غير معتاد على الصعيد الدولي، معظم الدول لا تجند أشخاصاً من دول ثالثة لخوض حروبها، لكن في هذه الحالة، نهج تركيا غير معتاد، لأنه يستخدم السوريين للقتال طوعياً في بلدهم.
كان نهج تركيا تجاه الارتزاق في حرب سوريا هو أخذ السوريين الذين أرادوا محاربة الحكومة السورية، وإعادة تشكيلهم كجزء من «الجيش السوري الحر» المدعوم من تركيا، والذي أعيد تسميته لاحقاً بـ«الجيش الوطني السوري»، ومع ذلك، فإن هذه القوة «الوطنية» لم تكن حقيقة وطنية، فقد كانت تتكون من مجموعات متنوعة، وغالباً ما تم تمكينها من قبل أنقرة لارتكاب انتهاكات ضد الأكراد والمسيحيين والأقليات الأخرى، مثل اليزيديين، كانت لغتهم متطرفة، وغالباً ما تتكون من هتافات ضد «الكفار»، مفعمة بالكراهية شبيهة بالأيديولوجية التي يقوم عليها تنظيم «داعش» والجماعات المتطرفة الأخرى، ومع ذلك، يرى آخرون بأن الدافع الذي جذب الشباب لم يكن التطرف الديني، بل الإغراء المادي. 
شبكة الجماعات التي استخدمتها أنقرة في «عفرين» و«تل أبيض» في سوريا وفي ليبيا والآن في ناغورنو كاراباخ، ليست مجرد استخدام لمرة واحدة أو قرار غير مسبوق بسبب الضرورة، بل هي انتهاك معيب ومحسوب ضد السوريين، فقد استهدفت تركيا السوريين الفقراء والضعفاء للتجنيد، ومن غير المعتاد أن يذهب أحد أعضاء «الناتو» إلى اللاجئين، ويحاول تجنيدهم للموت في النزاعات الخارجية، لقد فعلت أنقرة ذلك بسبب ما يمكن اعتباره «حصانة دولية».
فإلى متى تستغل تركيا هذه الحصانة في الانتهاكات الدولية؟ متى تأتي الضغوط الدولية الحازمة لتغيير سلوك الناتو لوقف تركيا عند حدها؟ استخدام أنقرة لمرتزقة أجانب لخوض حروبها أمر غير معتاد في العصر الحديث، ولم يقم به أي عضو من أعضاء «الناتو»، فهذه الظاهرة الجديدة باستخدام المرتزقة تستند إلى الإغراء المادي مع بعض الدعاية الدينية باسم «الجهاد» ضد الأعداء (الوهميين) لخدمة أجندات تركيا التوسعية، الذي لا نعلمه إلى الآن ما إذا كانت تركيا ستحول مرتزقتها إلى ميليشيات دائمة كما فعلت إيران مع وكلائها أم أنها ستحلهم بمجرد تنفيذ مخططاتها؟ لكن الذي نعلمه جيداً أن خريطة «تركيا الكبرى» توضح طموحاتها، والتي تشمل: اليونان وبلغاريا وقبرص وسوريا والعراق وجورجيا وأرمينيا، ولتحقيق ذلك تركيا أردوغان تتبع مبدأ الغاية تبرر الوسيلة.

*باحثة سعودية في الإعلام السياسي