الحديث عن «السيادة» لا يحتاج إلى مجلدات ولا مقالات تشرح ماهيتها، ولذلك فإن محاولة المساس أو الحديث عن «السيادة الإماراتية» الثابتة والراسخة التي أنتجت اتفاقية السلام مع إسرائيل، لا يمكن مقارنته بما أثير مؤخراً حول «السيادة القطرية» التي سمعنا آخر أخبارها في تصريحات الرئيس التركي حول الوجود العسكري التركي في قطر، فهاتان ليستا وجهين لعملة واحدة، بل هما عملتان مختلفتان شكلاً ومنطقاً وسبباً.
الإمارات، تذهب للسلام بإرادتها الحرة، وهي قوية ومتمكنة ومتفوقة، في مجالات عدة، سبق الحديث عنها تفصيلاً، وسبق شرح أهمية السلام لمنطقة الشرق الأوسط وللأجيال القادمة، حيث تغيرت قواعد اللعبة، وتغيرت الاحتمالات القديمة، وحلّ مكانها اعتبارات أخرى جديدة، تم دراستها وتمحيصها وتقييم ومقارنة الآثار والنتائج المتوقعة، ودراسة كافة أوجه وأبعاد المخاطر، على نحو شامل، وجاء القرار من الداخل الحصين الحصيف، إلى الخارج المتفهم المتقبل لفكرة التعاون المشترك البناء، دون المساس في الجغرافيا السياسية أو الأبعاد الجيوسياسية.
أما في قطر، فقد بات واضحاً أن استقدام واستخدام الجيش التركي قد جاء لأسباب واضحة، ومنها تقديم الحماية للنظام القطري، كما يرى معظم المحللين والباحثين المتخصصين في شؤون الشرق الأوسط، وهذا وحده يوجه أن الواقع الجيوسياسي للدوحة قد تبدل، وأنها أصبحت موالية لأنقرة، سياسياً وعسكرياً، بل واحدة من مدنها وولاياتها، وتحت إرادة تركيا وسيطرتها المطلقة، ولو قررت تركيا مثلاً، وعلى سبيل المثال فقط، تغيير النظام القطري، فإنها قادرة على فعل ذلك، ولن يردعها سوى التكتل الخليجي، الذي يسعى لاستقرار الخليج في الأساس والمنطقة عموماً.
أصبحت الدوحة اليوم، بالنسبة لتركيا، وللأسف الشديد، وكأنّها شمال سوريا أو طرابلس ليبيا، بل باتت وفي ظل ما يسمى بـ «إيميلات هيلاري»، التي تم الإفصاح عنها مؤخراً، موالية أيضاً للحزب «الديموقراطي» الأميركي، وتمتثل لتعليماتهم وتوجيهاتهم، إضافة إلى ما تم رصده من تبعية قطرية للنظام الإيراني، منذ مقاطعة قطر في مايو 2017، وحتى ما قبل ذلك، حيث الشواهد تدلل رضوخ قطر للإرادة السياسية الإيرانية، حيث كانت قطر العضو الوحيد في مجلس الأمن في العام 2006، الذي صوّت ضد قرار مجلس الأمن رقم 1696 حول النشاط النووي الإيراني. كذلك توقيع عدد من الاتفاقيات الأمنية والعسكرية بين الدوحة وطهران المتفوقة لصالح الأخيرة، كذلك دعم قطر لأذرع إيران الإرهابية في المنطقة، كـ«الحوثي» و«حزب الله» وغيرها.
ذلك كله، يثبت وقوع «السيادة القطرية» بين فكّي تركيا وإيران، بل والتفاف حبل حول عنق النظام القطري يدار عن بعد من قبل «الديمقراطيين»، وهؤلاء، ليسوا على خلاف مع إيران أو تركيا، بل كانوا أول من سعى لتوقيع الاتفاق النووي «خمسة زائد واحد» خلال فترة الرئيس الأميركي الأسبق أوباما، لذلك ليس هناك ثمة تناقض، بوجود علاقة ثلاثية بين تلك الأقطاب، وهو ما يجعل النظام القطري يحتاج عودة «الديمقراطيين»، خدمةً للمصالح الإيرانية والتركية، ويمول كل ذلك من حساب الشعب القطري، المغلوب على أمره.
استقرار الخليج، لن يتأتى إلا بخروج الجيش التركي من قطر، خروجاً نهائياً، فهو التهديد الأساس للسيادة القطرية، وعلى قطر تفهم ذلك، دون عواطف كاذبة والتعلق بأوهام رغبة القيادات الخليجية بشن حرب على قطر، تلك الأسطوانة التي سمعناها مراراً من وزير الدفاع القطري، فمقاطعة قطر الواضحة لأسباب جوهرية، لا غبار عليها، لا تستدعي أن تلجأ قطر، وتبسط إمكانياتها الاقتصادية، بين يدي أنقرة وطهران، وتذعن لهما بشكل مفرط، بل كان عليها، وما زال الباب مفتوحاً في الرياض، أن تقبل بالبنود الودية التي تساعدها على التخلص من الإرث القديم الصدئ، للنظام السابق، والاندماج التدريجي في المجتمع الخليجي والعربي.

أما تركيا، ومع حدة عزلتها الأخيرة، وضياع فرصها للتقرب من أوروبا، وإغلاق البوابات العربية في وجهها، باستثناء الأجواء القطرية التي تسمح لأردوغان بزيارة الدوحة، ومع الانهيار الاقتصادي الداخلي، وتصعيد المعارضة التركية، فإن نظام أردوغان، العاجز عن حماية حدوده الطبيعية، سوف يشهد سقوطاً مروعاً، قبل موعد الانتخابات القادمة في 2023، ومن المتوقع أن يحدث ذلك قريباً، خلال عام أو أكثر، ليأتي نظام آخر، يتمكن من تصويب وتصحيح ما وقع به أردوغان من أخطاء فادحة، تجاه الخليج والعالم العربي، وكذلك تجاه كل دول العالم.