حالة النقاش العام في الولايات المتحدة لا تليق بدولة عظمى يُعتقد على نطاق واسع أنها الديمقراطية الأكثر اكتمالا في عالمنا. أمور صغيرة تشغل المساحة الأكبر في المجال العام، وتطغى على قضايا كبيرة. وهذه حالة سابقة على تولي الرئيس دونالد ترامب الرئاسة في يناير 2017. فليست طريقته في الحوار، إذن، هي سبب هذه الحالة، بل ربما تكون إحدى النتائج المترتبة عليها. ولا يصح، بالتالي، تحميل ترامب المسؤولية عن هذه الحالة التي تعود بالأساس إلى جمود ينتاب المؤسسات السياسية الأميركية منذ عقدين على الأقل. ومن بين عوامل عدة تسببت في هذه الحالة، يبدو أن الاسترخاء الذي اقترن بشعور عام بالاطمئنان عقب الانتصار الذي حققته الولايات المتحدة وحلفاؤها في الحرب الباردة الدولية، ومن ثم تفكك الاتحاد السوفييتي السابق، كان العامل الأساسي وراء جمود سياسي ستكون عواقبه وخيمة ما لم يوضع حد له.
ويؤدي هذا الجمود عادةً إلى ضعف في أداء مؤسسات الدولة والمجتمع، وتراجع في مستوى النخب السياسية، وتصل تداعياته إلى منابر الحوار العام وفي مقدمتها وسائل الإعلام. وهذا يفسر تركز الجدل حول إصابة ترامب بعدوى فيروس كورونا، وشفائه السريع منه، على أمور صغيرة مثل ارتداء قناع الوجه الواقي من عدمه، وأخرى مهمة ولكنها تُناقش بطريقة لا تُفيد في استخلاص نتائج موضوعية بشأن سياسة الإدارة الحالية في مواجهة أزمة تفشي هذا الفيروس.
وربما لا يكون مستغرباً، في ظل هذه الحالة، أن يتضاءل الاهتمام بمعالجة نقص دستوري خطير كشفه مرض ترامب وتتطلب معالجة هذا النقص إجراءَ تعديل سيكون الثامن والعشرين في الدستور الأميركي. فقد تبين عدم وجود نص في هذا الدستور يُحدد كيفية التصرف في حالة تدهور صحة أحد المرشحين في الانتخابات الرئاسية، أو وفاته، قبل أيام أو أسابيع قليلة على موعد إجرائها، بعد أن يكون كل من الحزبين الرئيسين اختار مرشحه لمنصب الرئيس.
يتضمن الدستور ما يمكن العمل به في حالة وفاة أي رئيس أو استقالته أو عزله خلال ولايته، وكذلك في حالة عجزه عن أداء صلاحياته. ويُنظم التعديل الخامس والعشرون، الذي تمت المصادقة عليه في 10 فبراير 1967، كيفية التصرف في هذه الحالات، إذ ينص على أن يحل نائب الرئيس محله إما بطلب منه، أو من نائبه ومسؤولين رئيسيين في الإدارات التنفيذية في حالة عجزه عن أداء صلاحياته. ويكون الطلب موجهاً إلى رئيس مجلس النواب، والرئيس المؤقت لمجلس الشيوخ، على أساس أن نائب الرئيس الذي يرأس هذا المجلس سيصبح قائماً بأعمال رئيس الدولة، ويكون الرئيس المؤقت لمجلس الشيوخ معروفاً عادةً، لأنه يُنتخب في بداية عمل هذا المجلس ليحل محل رئيسه عند غيابه أو ممارسته مهام رئيس الدولة.
لكن لا يوجد في الدستور ما يفيد في حالة خلو مكان أحد المرشحين للرئاسة في وقت متأخر عشية الانتخابات، أو في بدايتها كما هو الحال عندما أُعلن أن ترامب أُصيب بعدوى فيروس كورونا. فقد كان أكثر من مليوني ناخب قد أدلوا بأصواتهم بالفعل بواسطة البريد. كما استلم ملايين كُثُر آخرون بطاقات الاقتراع بالطريقة نفسها لإعادة إرسالها متضمنةً المرشح الذي يختاره كل منهم. 
وإحدى وظائف النقاش العام أن تُطرح مثل هذه القضايا الكبرى على الطاولة بحثاً عن بدائل ممكنة. ويمكن تصور بديلين لحل مشكلة مرض أحد المرشحين في الانتخابات الرئاسية أو وفاته في مثل هذا الوقت الحرج. الأول أن يُعهد إلى الكونجرس بالبحث في إرجاء موعد الانتخابات لفترة محدودة يُتفق عليها في مجلسي النواب والشيوخ، حتى يتسنى للحزب الذي مرض أو توفى مرشحه أن يُسمي بديلاً عنه، ونائباً له، بعد العودة إلى لجانه الانتخابية. والثاني أن تُجرى الانتخابات في موعدها، وفي حالة فوز المرشح المريض أو المتوفي، يتولى المرشح نائباً له الرئاسة، ويختار حزبه نائباً جديداً للرئيس. وفي هذه الحالة، يتعين أن ينص التعديل على ألا يكون لهذا النائب الحق في القيام بأعمال الرئيس لأي سبب، أو إكمال مهامه إذا توفى خلال فترة ولايته، لأنه لم يُنتخب عن الشعب، على أن يتولى رئيس مجلس النواب القيام بأعمال الرئيس في حالة مرضه أو غيابه مؤقتاً لأي سبب، وتُجرى انتخابات رئاسية مبكرة في حالة وفاته.
وأياً يكن محتوى التعديل الثامن والعشرين، فقد بات أكثر من ضروري.