تنظر الأمم المتطورة والدول إلى آثارها، وإلى تراثها، بوصفهما من دعائم النهوض والتقدم، ذلك أن الآثار والتراث ليسا مجرد شواهد تنتمي إلى الماضي، بل إن لهما دوراً مؤثراً في صياغة الحاضر ومدِّه بأسباب القوة، وتنمية قيم إيجابية ضرورية للمستقبل، وهو ما أوضحته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» بقولها: «يساعد كلٌّ من التراث والإبداع على إرساء الأسس اللازمة لنشوء مجتمعات معرفة مفعمة بالحياة تزخر بأوجه الابتكار والازدهار». 
وكان ذلك التصور حاضراً في ذهن القيادة الرشيدة لدولة الإمارات العربية المتحدة منذ تأسيسها، وحتى قبل ذلك، فعلى الرغم من كل الصعوبات التي كانت تواجه الدولة وهي على وشك التأسيس، والتحديات السياسية والاقتصادية وتعدّد الملفات الشائكة أمام المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في ذلك الوقت الحاسم، فإنه كان حريصاً وسط مسؤولياته على بناء «متحف العين الوطني» الذي افتتحه الوالد الراحل في الثاني من نوفمبر 1971. ومنذ ذلك الوقت، حظي قطاع الآثار في الدولة باهتمام كبير من كل جوانبه، ونشطت عمليات التنقيب والاستكشاف التي نجحت في استخراج كنوز أثرية مطمورة منذ أقدم العصور، تدلّ على قِدم الحضارة في الدولة، وتكشف عن جوانب من تاريخها الذي يمتد إلى آلاف السنين. وكان التنظيم التشريعي والقانوني من بين الجوانب التي عملت دولة الإمارات من أجل تطويرها على النحو الذي يلائم أهمية قطاع الآثار، وما يلقاه من عناية بالغة.
وفي سياق تعزيز الإطار القانوني لجهود حماية الآثار، فقد ناقش المجلس الوزاري للتنمية، الذي يرأسه سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، اللائحة التنفيذية للقانون الاتحادي في شأن الآثار المقدم من وزارة الثقافة والشباب. وقد «تضمّنت اللائحة التنفيذية للقانون أحكاماً متعلقة بضمانات حماية الآثار في أوقات الأزمات والكوارث، وتنظيم حماية الآثار المحلية والأجنبية وشروط الاتجار بالآثار التي تصرح السلطة المختصة وفقاً لتشريعاتها النافذة بعدم الحاجة إلى تسجيلها كتابياً، وأوردت كذلك التزامات دوائر تخطيط المدن والمساحة والبلديات والجهات الأخرى ذات العلاقة عند تصميم مشروعات التخطيط وتخطيطها وتنفيذها، بالمحافظة على المواقع الأثرية بما يتضمّن إيجاد حرم غير مبني حول الموقع الأثري. بالإضافة إلى التزامات بعثات التنقيب عن الآثار والجهات المصرّح لها بالتنقيب، ودور الوزارة والسلطات المختصّة في مجال تأهيل وتدريب الكوادر الوطنية في مجال التنقيب عن الآثار والحفاظ عليها».
و«اللائحة التنفيذية»، وفقًا لمفهومها القانوني، تتضمّن «تفصيلات تبين فيها آلية التطبيق السليم وما يندرج من حالات ضمن القاعدة القانونية التي يأتي بها القانون، سواء بتعديد هذه الحالات أو وضع الشروط التي تحدد صفة هذه الحالات»، ما يعني أن اللائحة تمثل التفسير الواضح والمفصَّل لمواد القانون، وهي بذلك خطوة نحو وضعه موضع التنفيذ. ومن شأن اكتمال الإطار القانوني أن يدعم الأهداف المتوخّاة من القانون، وهي، بحسب المادة الثانية من القانون الاتحادي رقم 11 لسنة 2017: «الحفاظ على الآثار الثابتة بالدولة بغرض تعزيز الهوية الوطنية والحفاظ على التراث الثقافي، والكشف عن الآثار والتنقيب عنها بغرض إحياء التراث الوطني للدولة وإثرائه».
إن مثل هذا التأطير القانوني يُعزز مساعي ترسيخ الهوية في دولة الإمارات، ويتيح الكشف عن صفحات مطوية من تاريخها وجوانب من إسهاماتها الحضارية التي لم يُتَح لها أن تخرج إلى دائرة الضوء على النحو الذي تستحقّه. وربما تسُدُّ الاكتشافات الأثرية المتوقعة فجوات في تاريخ المنطقة، وتغيِّر التصورات القائمة حول طبيعة المجتمعات والأنشطة الإنسانية التي شهدتها عبر العصور، كما حدث بالفعل حين اكتُشفت في جزيرة مروح الإماراتية بقايا قرية كانت مسكونة قبل ثمانية آلاف عام، وأدواتٌ تُستخدم في الحياة اليومية وأخرى للزينة. وربما لن يمرّ وقت طويل قبل أن نكتشف أن النهضة الإماراتية الحالية هي إحياء لنهضة سابقة شهدتها هذه الأرض الطيبة قبل عصور.

*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.