قرر مجلس إدارة البنك المركزي العراقي إعادة تقييم الموقف المالي لجميع المصارف الخاصة، للتدقيق في رؤوس أموالها، وتحديد نسبة العجز ومصادر تلك الأموال، تماشياً مع خطة إصلاح لخلق قطاع مصرفي حقيقي وقادر على المساهمة بدور متقدم في إعادة الإعمار.
وإذا كانت حكومة مصطفى الكاظمي مصرة على تنفيذ إصلاحات جذرية لضبط الهدر المالي ومحاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين، ووضع حد للإنفاق الحكومي غير المبرر، وفق أسس حديثة، بما يضمن استثمار الموارد وتنويع مصادر الدخل بدلا من الاعتماد على النفط، فعليها أن تبدأ بإصلاح جذري في القطاع المصرفي حتى ترتقي المصارف للعمل على خلق قطاع فاعل لا يسمح بعمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. مع التركيز على استراتيجية تهدف لتحويل البنك المركزي إلى مؤسسة تعمل في إطار البنوك المركزية المتطورة، وتحقيق أهداف تنموية توفر استقراراً مالياً، وتدعم مسيرة هذا القطاع ليكون «قاطرة» للاقتصاد الوطني في المرحلة المقبلة. 
ويعمل في العراق حالياً 61 مصرفاً بينها 7 مصارف حكومية، و24 مصرفاً خاصاً، و11 مصرفاً إسلامياً، و19 مصرفاً عربياً وأجنبياً. إضافة إلى 60 شركة مالية تعمل في سوق العملة والاستثمار المالي.. وهو عدد كبير. غير أن هذا القطاع يعاني من تشوهات بنيوية، منها أن المصارف الحكومية تسيطر على نحو 90% من موجوداته، تاركةً فقط 9% للمصارف الخاصة، على تنوعها من تجارية محلية وإسلامية وعربية وأجنبية. وتشكو هذه المصارف من قيود الحكومة التي تنحاز إلى مصارفها في النشاط المالي. وتكمن أهم الصعوبات التي تواجهها معظم المصارف في عجزها عن استرداد القروض من المدينين، بل وتعذر الاسترداد في كثير من الحالات، حتى لو ربح المصرف قراراً قضائياً ببيع الضمانات، وذلك لأسباب تتعلق بالوضع الأمني والضغوط الاجتماعية.
ورغم ضخامة عدد المصارف في العراق، فإنه لا ينسجم مع عدد السكان، ويبرز تلكؤ العراقيين عن اللجوء إلى التعامل مع المصارف أن 80% من السكان (المقدر عددهم الإجمالي بنحو 32 مليون نسمة) لا يمتلكون حساباً مصرفياً، ويوجد 900 فرع مصرفي متمركزة في عواصم المحافظات وبعض المدن الرئيسية. وتدل البيانات على أن الفرع الواحد يخدم نحو 35 ألف شخص في العراق، مقارنةً بلبنان الذي يخدم فيه كل فرع 4 آلاف شخص، ولذا رأت بعض الدراسات أن نحو 73% من الكتلة النقدية بعيدة من الدورة المصرفية، مما يعكس عدم ثقة الشعب بعمل المصارف.
وكذلك يتجه الإصلاح الاقتصادي إلى اعتماد رؤية وطنية مشتركة بين القطاعين العام والخاص، تتجاوز الاعتبارات السياسية والمصالح الفئوية والشخصية الضيقة، وتؤمن انتقالا تدريجياً لمختلف القطاعات، بما يعيد التوازن لمصلحة القطاع الخاص، وبأقل الأضرار والتداعيات السلبية.
وفي إطار التحضير لإطلاق «ورشة إعادة الإعمار»، يسعى العراق إلى جذب المستثمرين للاستثمار في معظم القطاعات، من الزراعة إلى النفط والمساكن ومحطات الطاقة والمطارات وسكك الحديد والقطارات والطرق. وهناك 212 مشروعاً خصصتها بغداد للمستثمرين المحليين والدوليين، إضافة إلى إمكانية بيع أصول استثمارية عائدة لمؤسسات وشركات حكومية إلى القطاع الخاص، لاسيما أنه يوجد حالياً نحو 174 شركة للدولة العراقية منها 80% خاسرة. مع الإشارة إلى أن العراق ينوي إقامة أربع مناطق حرة خلال السنوات العشر المقبلة.

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية