منذ مجيء الرئيس دولاند ترامب إلى دفة الحكم كرئيس منتخب من قبل الشعب الأميركي، بدأ الرجل يُظهِر الحقائق ويكشف المستور، علناً ودون تحفظ، ولم يلتزم بالبروتوكولات الرسمية ولا بالأوامر الرئاسية التي كان يخضع لها الرؤساء قبله، ممن كانوا يتصرفون ويتحدثون عبر دوائر مغلقة وزوايا مظلمة يخضع لها مَن يحكم البيت الأبيض.. لكن ترامب كسر الروتين وحطم القيود التقليدية كلها، وبدأ ينشر تغريداته على موقع «تويتر» بشكل واضح وشفاف وبكل جرأة ودون قيود، علاوة على ما مؤتمراته الصحفية المباشرة، قبل وبعد «كورونا». وخلال ذلك اعتاد ترامب أن يبوح بكل كلمة يسمعها وأن يكشف عن كل شيء يراه، وأن يعبّر عن رأيه بتغريداته التي شغلت وتشغل العالم، وذلك قبل كل شيء لأنه رئيس الولايات المتحدة الأميركية، أقوى وأعظم دولة في العالم المعاصر، ولا عجب في ذلك وإن تعجب متعجبون!
وأبرز جديده في هذا المضمار هو كشفه لأسرار الحكومة الأميركية السابقة، ولا أعلم أهذا جائز أم محظور بموجب أنظمة وقوانين الولايات المتحدة وقواعد حماية الأسرار، لكن ترامب فضح المستور وقال ما لم يقله مَن سبقوه للبيت الأبيض!
ورغم أن هناك تسريبات وتأويلات وتحليلات حول سلوك وتصرف وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون وطاقم الإدارة الأميركية برئاسة باراك أوباما، فإن أحداً لم يصدق أو يتوقع أنه يمكن لتلك الإدارة أن ترتكب حماقات وتدخلات خطيرة وبهذا الوزن الثقيل من الضرر والتآمر ضد الدول العربية والإسلامية، كما أظهرته الوثائق التي سمح ترامب بالكشف عنها مؤخراً. إن أحداً لم يصدِّق من قبل التسريبات السابقة ولا الإشارات الواردة في مذكرات الوزيرة هيلاري وفي بعض مراسلات بريدها الإلكتروني، ولا كثيراً من تحليلات الخبراء وصناع القرار حول ما يسمى «الربيع العربي». وكان كثير من الناس يقولون: هذا كذب وهراء وظلم وبهتان وإفتراء، لأنكم لا زلتم تؤمنون بنظرية المؤامرة!
والآن ها هم الذي لم يصدقوا «الإشاعات» السابقة وقد بَدَوا مصدومين من إدارة أوباما التي دعمت تنظيمات إرهابية متطرفة، للفتك بالدول وتمزيقها وقتل الناس وتشريدهم من أوطانهم. بل كانت على صلة بصناعة «داعش» وأخواتها من الميليشيات الطائفية المسلحة التي دمرت مدناً واحتلتها وقتلت أهلها وشرّدت سكانها. فمن يتحمّل الآن مسؤولية هذه الجرائم البشعة؟ ومَن يعوّض المشردين والمصابين وذوي القتلى الذين فقدوا أقاربهم كما فقدوا منازلهم وأوطانهم، بل منهم فقد بعض أعضاء جسمه، بينما امتلأت المقابر الجماعية ببعض أقربائه وما يزال يبحث عن بعضهم الآخر بعد أن أصبحوا في عداد المفقودين أو الموتى المحتملين.. مما يبين هول وبشاعة الجرائم الممنهجة التي حملها «الربيع العربي» بحق الدول والمجتمعات والأفراد. فمن المسؤول عما حدث في زمن الفوضى العارمة، أو «الفوضى الخلاقة» كما سمّتها إدارة بوش الابن؟!
وما معنى أن يتورّط في ذلك مسؤولون من دول طالما تشدّقت بالحرية والديمقراطية وبشعارات حقوق الإنسان، الإنسان الذي أُهينت كرامته وانتُهِكت حقوقه في الحياة؟ فبأي ذنب قُتل إنسان تلك الدول العربية وتم تدمير مدنه؟!

*كاتب سعودي