احتلَّ الإنسان، باختلاف جنسه وعرقه ومعتقداته، صدارة اهتمامات القائد المؤسس، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيَّب الله ثراه، فكانت توجيهاته بصيانة حقوقه، وتوفير السبل كافةً لرعايته وتمكينه، والدفع به لخدمة وطنه ومجتمعه، وسعى، رحمه الله، إلى تضمين دستور الدولة كل ما يصون حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وتوفير كل السبل الممكنة للنهوض بقدراته نحو الأفضل. 
وانطلاقًا من إيمانها بحق البشر في العيش بكرامة وحرية، التزمت دولة الإمارات كل القواعد الأخلاقية والإنسانية في مكافحتها ظاهرة الاتجار في البشر، وبذلت جهودًا كبيرة في هذا السياق، وعلى محاور متعدّدة، منها العمل على إصدار القوانين الخاصة بتعزيز أدوات هذه المكافحة، فكانت أول دولة في المنطقة تصدر قانونًا خاصًّا بمكافحة الاتجار في البشر، وهو القانون الاتحادي رقم (51) لعام 2006، الذي ينص على السَّجن المؤقت الذي لا تقل مدته عن 5 سنوات، وبالغرامة التي لا تقل عن مئة ألف درهم. وبالإضافة إلى ذلك يكفل القانون معاقبة أي شخص على علم بحادثة اتّجار في البشر ولا يبلغ عنها. 
وقد عملت الدولة، في إطار مكافحتها الشاملة قضية الاتجار في البشر، على تأهيل الأشخاص المنخرطين في هذه المكافحة، بحيث يكونون قادرين على أداء مهامهم على النحو الأمثل. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه قبل أيام قليلة أعلنت القيادة العامة لشرطة دبي بدء فعاليات الدفعة السادسة لبرنامج «اختصاصي مكافحة الاتجار بالبشر»، الذي تنظمه «عن بُعد» على مدار خمسة أسابيع، بالتعاون مع معهد دبي القضائي، واللجنة الوطنية لمكافحة جرائم الاتجار في البشر، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، بهدف إعداد نخبة مؤهَّلة في جميع الدوائر والمؤسسات المعنية، للتعامل بكفاءة ومهنية عالية في مجال البحث والتحري، وأفضل طرق ووسائل التحقيق في جرائم الاتجار في البشر، ورعاية ضحاياه. 
وتضم الدفعة السادسة للبرنامج 91 منتسباً ينتمون إلى 30 جهة من مختلف أجهزة الشرطة والجهات النيابية المحلية والاتحادية في الدولة، وجمعية الإمارات لحقوق الإنسان، ومؤسسة مطارات دبي، ودور رعاية النساء والأطفال على مستوى الدولة. كما يضم البرنامج مشاركين من دول خليجية في إطار تعزيز التعاون المشترك بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لمكافحة قضية الاتجار في البشر، حيث يشارك في البرنامج 24 متخصصاً من المملكة العربية السعودية، واثنان من مملكة البحرين، وخمسة من جهاز الشرطة الخليجية، وأربعة من سلطنة عمان ودولة الكويت لأول مرة.
وممَّا لا شك فيه أن برنامج «اختصاصي مكافحة الاتجار بالبشر» يُعَدُّ أحد البرامج المميَّزة على المستويَين الوطني والإقليمي، ويعكس تطلعات القيادة الرشيدة للدولة، وحرصها التام على القضاء على ظاهرة الاتجار في البشر، التي تهدر حقوق الأفراد الأساسية، والحق في العيش الكريم، وتحطُّ الكرامة الإنسانية، وقد أسهم البرنامج منذ انطلاقته في تكوين نخبة متخصصة بمجال مكافحة الاتجار في البشر، ومن ثمَّ فقَد كان له دور كبير في تعزيز قدرة مؤسسات الدولة المعنية في هذا السياق. 
والحاصل أنه، في إطار الحديث عن الدور الكبير الذي تؤديه المؤسسات المعنية بمكافحة الاتجار في البشر، لا بد من الإشارة بشكل خاص إلى الدور الحيوي الذي تؤديه اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار في البشر، وهي المعنية بالعمل على تطوير الأطر اللازمة لتطبيق قانون مكافحة الاتجار في البشر، والتنسيق بين الوزارات، وتوفير الموارد اللازمة لنشر الوعي بالجوانب المتعلقة بهذا الشأن، وتطوير برامج التدريب والتأهيل للجهات والهيئات والعناصر المعنية بالتعامل مع ضحايا جرائم الاتجار في البشر، وتمثيل دولة الإمارات رسميًّا في المحافل الدولية المتعلقة بقضايا الاتجار في البشر. وتسهم نشاطات اللجنة في تفعيل تطبيق القوانين، وإصدار المزيد من التشريعات الصارمة والمتطورة لضمان التزام المعايير الدولية.
وتسعى دولة الإمارات إلى اجتثاث ظاهرة الاتجار في البشر، وهي تبذل جهودًا كبيرة، ليس على المستوى المحلي فقط، وإنما على المستوى الدولي أيضًا، وقد حققت الدولة نجاحات مهمَّة في هذا السياق، ضمن التزامها الدائم قضية حقوق الإنسان، وهي تنشط بشكل كبير لتعزيز التعاون على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية لمكافحة هذه الظاهرة.

* عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.