يترقب المواطن الأميركي الانتخابات الرئاسية القادمة في 3 من شهر نوفمبر المقبل، وهي الـ59 منذ تأسيس الولايات المتحدة الأميركية، وقد اختلف الوضع عن الانتخابات السابقة جذرياً، مما يُنذر بضخامة «الإرث» الذي سيجده الرئيس الأميركي السادس والأربعين، سواء أكان الرئيس الحالي دونالد ترامب أم منافسه «الديمقراطي» جو بايدن. وقد أوردتُ في مقال لي سابق، إبان فوز «ترامب» بمقعد الرئاسة في 2016، أن من أسباب ذلك الفوز التركيز على قضايا ثلاث رئيسية هي: الاقتصاد والتعليم والصحة. فعلى الصعيد الاقتصادي، أعلن ترامب وقتذاك عزمه خلق اقتصاد متحرك وقوي ينتج 25 مليون وظيفة جديدة خلال العقد القادم، إضافة إلى رفع معدل النمو الاقتصادي إلى 3.5% سنوياً. لكن الواقع بعد أربع سنوات يشير إلى غير ذلك، حتى قبل التأثيرات القوية لجائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19). فالأرقام تؤكد أنه بنهاية عام 2019 كان متوسط النمو السنوي 2.3%، وقد انقضى الربع الأخير من 2019 على متوسط نمو بلغ 2.1%، وهو أقل بـ5.5% عما تم تحقيقه في الربع الثاني من 2014 أثناء إدارة الرئيس «الديمقراطي» باراك أوباما، بل وأقل بكثير مما كانت عليه الأرقام أثناء خمسينيات وستينيات القرن الماضي. أما على صعيد نسبة البطالة بين الشعب الأميركي والتي يحدد الخبراء متوسطها المثالي ما بين 3.5% و4.5%، فقد كانت في شهر يوليو من أعوام 2017 و2018 و2019: 4.4% و3.9%، و3.7% على التوالي، لترتفع خلال أشهر أبريل ومايو ويونيو من العام الجاري إلى 14.7% و13.3% و11.1% على التوالي. وكانت في شهر يناير من هذا العام 3.6%، أي أعلى مما كانت عليه في نفس الشهر من عام 1969 أو قبل نصف قرن تقريباً عندما بلغت 3.5%. أما معدلات البطالة بالنسبة للأقليات الأميركية الرئيسية، فبلغت في شهر سبتمبر 2019 نسبتي 5.5% و3.9% للأقليتين الأفريقية والإسبانية، وفي شهر يونيو من نفس العام 2.1% للأقلية من أصول آسيوية، ولكن السبب في ذلك لا يعود للرئيس الحالي، بل هي في انخفاض مستمر منذ حقبة رئاسة أوباما. 
أما ما يتعلق بالتعليم، فقد بلغت الانتقادات ذروتها نتيجة سياسة وزارة التعليم منذ تولي ترامب الرئاسة وإطلاق شعار «حرية التعليم»، والذي اكتشف العاملون في القطاع أنه موجه في الأساس «للقضاء» على كل ما تهدف المدارس الحكومية لتحقيقه منذ قيام الولايات المتحدة الأميركية، وذلك على حساب تقوية المدارس الخاصة، إضافة إلى فرض رسوم سنوية يدفعها المعلم والطالب في ظل سياسة تعليم غير واضحة، وضعف رواتب المعلمين، وتدني أحوال بيئة التعليم.‏‭
‬أما ‬في ‬قطاع ‬الصحة، ‬فقد ‬كان ‬تركيز ترامب ‬الرئيسي ‬هو ‬إيقاف ‬العمل ‬ببرنامج «‬أوباما ‬الصحي» ‬دون ‬تقديم ‬برنامج ‬بديل ‬فعال ‬يستفيد ‬منه ‬قطاع ‬كبير ‬من ‬الشعب ‬الأميركي ‬لا ‬يملك ‬ضماناً ‬صحياً.
وإلى جانب تلك القضايا، هناك أيضاً أسلوب إدارة ترامب لقضيتين داخليتين بارزتين، هما آلية الاستجابة لجائحة «كوفيد-19»، وتوابع مقتل المواطن الأميركي من أصول أفريقية «جورج فلويد» التي أوجدت شرخاً كبيراً داخل المجتمع الأميركي، أدى بوزير الدفاع السابق «جيمس ماتيس» أن يتهم ترامب بـ«نشر الفرقة في البلاد وإساءة استخدام سلطاته»، وبأنه الرئيس الأميركي الأول الذي «لا يحاول توحيد الشعب الأميركي ولا يحاول حتى التظاهر بذلك»!
تلك هي أبرز القضايا الداخلية التي سيتعين على الرئيس الأميركي القادم التعامل معها، إلى جانب العديد من القضايا الأخرى الخارجية، مما يشير إلى صعوبة المهمة أمام ذلك الرئيس، سواء أكان «جمهورياً» أم «ديموقراطياً».