للحياة العسكرية نمط خاص، وطبيعة تختلف عن الحياة المدنية بمراحلها المختلفة؛ فهي تقوم بالدرجة الأولى على الضبط والربط والالتزام الذي لا يقبل الخلل، وتؤدي دوراً لا شبيه له في صقل شخصيات الشباب، وتلقينهم دروس حراسة حدود الوطن، والذَّود عن حياضه، والدفاع عن رايته لتظل خفَّاقة عالية، وبذل الغالي والنفيس والتضحية بأغلى ما يكون؛ لردّ العاديات عنه صوناً للأرض وحمايةً للعرض.
وضمن سياق هذه المفاهيم جاء إقرار دولة الإمارات نظام الخدمة الوطنية، الذي يسعى إلى تحقيق مجموعة من الأهداف النبيلة والغايات العظيمة، وفي المقدمة منها تشكيل قوة دفاع مدنية من أبناء الوطن تتمتع بالجاهزية والمهارات والقدرات والمعارف اللازمة، التي تمكن كل منتسب إليها من القيام بواجبه الوطني في الدفاع عن تراب الإمارات، وصون المكتسبات التي حققتها؛ لتكون رديفةً لقواتنا المسلحة الباسلة وداعمةً لدورها ولدور الأجهزة الأمنية الأخرى في المحافظة على ما تتمتع به الدولة من أمن وطمأنينة واستقرار؛ إلى جانب الإسهام الفاعل في المحافظة على الهُوية الوطنية.
إن مدرسة الجندية تُعَدُّ واحداً من مصانع الرجولة ومواطن الاعتزاز والفخر؛ ففيها يتعلم مَن يتشرَّفون بالانتساب إليها معاني الفداء والتضحية، ومنها ينهلون قيم تقديم حبّ الوطن والإخلاص له والولاء لقيادته الرشيدة على كل أولوية، وبين جنباتها يتدرَّبون على مواجهة الصعاب والمخاطر؛ ليخرجوا منها إلى الحياة جيلاً جديداً مؤهَّلاً لخوض غمارها، واثقاً بقدرته على التعامل مع كل تحدياتها ومتغيراتها، يتمتع بالشخصية القيادية، ويتميَّز بالمواطنة الصالحة. 
وقبل أيام عدَّة استقبلت مراكز التدريب في القوات المسلحة مجندي الدفعة الرابعة عشرة للخدمة الوطنية ضمن المجموعة الثانية الخاصة بخريجي الصف الثاني عشر للعام الدراسي 2020-2021، الذين انضموا إلى أقران لهم نالوا شرف ارتداء الزي العسكري؛ لينطلقوا إلى مرحلة جديدة في حياتهم، يمكنهم من خلالها رد بعض الجميل إلى الوطن وقيادته الرشيدة، التي تولي أبناءها من شباب الإمارات رعاية فائقة، وتسخّر كل الإمكانيات المتاحة في سبيل توفير أفضل الفرص لهم في المجالات كافةً، سواء فيما يتعلَّق بالتعليم والدراسة، أو التدريب وفرص العمل؛ وتصل الليل بالنهار لتحقيق ما يتطلعون إليه من مستقبل مزدهر وحياة كريمة.
إن ما ينعم به شعب الإمارات من أمن وعيش كريم ورفاهية، لم يكن وليد المصادفة، بل هو ثمرة جهد دؤوب وتضحيات قدَّمها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيَّب الله ثراه، وإخوانه القادة المؤسسون؛ لبناء وطن له مكانته بين دول العالم كلها، وتمسُّك من القيادة الرشيدة باتباع النهج نفسه؛ والعمل للارتقاء بمكانة دولة الإمارات وبقدراتها في المجالات كافَّةً؛ لتكون واحدة من أفضل دول العالم؛ وهو أمر يلقي على عاتق كل مَن يعيش على هذه الأرض الطيبة مسؤولية أخلاقية تجاه هذا الوطن، هي التزام حمايته، والذَّود عنه، والمحافظة على مقدراته ومكتسباته، والإسهام في صناعة مستقبل واعدٍ ومشرقٍ لأجياله المقبلة؛ وهو ما يتحقق من خلال اليقظة الدائمة، والاستعداد التام للدفاع عنه وحماية عزته ومجده ورفعته، والتمسك بوحدته وقيمه الإيجابية؛ ليبقى وطن الأمن والرخاء والاستقرار، والصخرة التي تتحطَّم عليها طموحات الطامعين وأحلام المتربّصين.
سعادة وأمل وتفاؤل وشعور بالزهو والفخر تتملَّك كل مواطن ومقيم ومحبّ للإمارات عندما يرى هذه الكواكب من أبناء الوطن، وهي تتقاطر دفعةً بعد أخرى للالتحاق بالخدمة الوطنية، والمجندين من أبناء الوطن وبناته والفرحة بالالتحاق بالتدريب تغمر وجوههم، وإحساس كبير بالسكينة والطمأنينة؛ لأن هذا الوطن سيكون دائماً بخير، وأن حدوده ستبقى عصيَّة على الاختراق، وأن جباه أبنائه ستبقى مكلَّلة بالغار؛ لأن فيه قيادة مؤمنة مخلصة لا ترضى طريقاً غير طريق الكرامة والعزة، وشعباً يقف خلف قيادته صفًّا كالبنيان المرصوص، ويعشق وطنه، ويهوى الانتساب إلى جيشه، وجيشاً نذر نفسه سياجاً منيعاً وسوراً حصيناً لكسر الشرور ووأدها قبل أن تفكر في الوصول إلى حدود وطنه.

عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية