اختارت النيابة العامة في دولة الإمارات العربية المتحدة الوقت المناسب لإعادة تذكير المجتمع بخطورة استمرار ظاهرة الدروس الخصوصية، في ظل انتشار فيروس كورونا المستجد، فمع بدء العام الدراسي بدأت حركة نشطة من جانب المدرسين الخصوصيين لعرض خدماتهم على الطلبة وأولياء الأمور، بما في ذلك تقديم الدروس الخصوصية إلى مجموعات من الطلاب في المنازل، الأمر الذي يخلق بيئة نشطة للإصابة بفيروس كورونا، ويسرّع من انتشاره، فقد رصدت إحدى الصحف المحلية، قبيل بدء العام الدراسي، انتشاراً كثيفاً لإعلانات الدروس الخصوصية، ولذا كان من الضروري تذكير الجميع بخطورة ممارستها وجهاً لوجه، والعقوبة التي سيواجهها المشاركون فيها.
وقد اختارت النيابة العامة أيضاً نشر التذكير على وسائل التواصل الاجتماعي، بالنظر إلى الدور الكبير الذي تؤديه في نقل الأخبار وتداولها في الوقت الحالي، ولكي يصل إلى أوسع نطاق ممكن، ويؤدي هدفه في إيقاف الممارسات الخاطئة، من خلال التعريف بعواقبها وتبعاتها، حيث تبلغ قيمة غرامة الدروس الخصوصية 30 ألف درهم لمقدِّميها عبر الاتصال المباشر، ولمنظميها، وللوسطاء فيها، في الأماكن العامة، أو الخاصة، أو الزيارات المنزلية، وسواء أكانت بمقابل أو من دون مقابل، لجميع المراحل التعليمية، فيما تبلغ الغرامة 20 ألف درهم للمسؤول عن الأماكن الخاصة الذي يسمح بتقديمها أو تنظيمها.
وهذه المخالفة، والغرامة المترتبة عليها، ليستا بالأمر الجديد، لأنهما كانتا ضمن لائحة المخالفات التي صدرت بناءً على قرار من النائب العام للدولة في 18 مايو 2020، من أجل السيطرة على انتشار كورونا، والحفاظ على أرواح الناس وصحتهم، وتقليل الآثار الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على خروجه عن السيطرة، مثلما حدث في مجتمعات أخرى. وكان هذا الإجراء، وغيره من الإجراءات الحازمة التي اتخذتها الدولة، من بين عوامل نجاحها في مواجهة الوباء على النحو الذي اتضح في الإحاطة الإعلامية حول كورونا أول من أمس الثلاثاء، رغم شراسة موجة الإصابات والوفيات التي تضرب العالم من جديد، فقد بقي معدل الحالات الإيجابية من إجمالي الفحوص في الدولة عند نسبة 1 في المئة، وهو يقل عن نظيره في الاتحاد الأوروبي (7.6 في المئة)، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (6.5 في المئة)، بالإضافة إلى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (6.4 في المئة). وقد بلغ معدل حالات الوفاة 0.4 في المئة، وهو من أقل المعدلات عالميًّا مقارنة بكل من الاتحاد الأوروبي (3.8 في المئة)، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (2.4 في المئة)، ودول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (3.5 في المئة).
وممَّا تلزم الإشارة إليه أن الدروس الخصوصية لم تكن مشروعة حتى قبل ظهور خطر كورونا المستجد، وأن انتشار مثل هذا النوع من الممارسات يضر بالعملية التعليمية والتربوية، وينزع عنها جوانبها المتعلقة ببناء الشخصية المتكاملة، ويُعمِّق الاتكالية والتلقين والدور السلبي للطالب في العملية التعليمية، ويقضي على استعداده لتنمية مهارات التعلم الذاتي والتفكير الناقد، وتفعيل قدرات الإبداع والابتكار التي تحرص عليها دولة الإمارات، كما يقلِّل من استعداد المعلمين لأداء واجبهم على النحو المطلوب في مدارسهم ومؤسساتهم التعليمية، بحكم رغبتهم في تنمية سوق الدروس الخصوصية. ويضاف إلى ما سبق الأعباء المادية الكبيرة التي تتحمَّلها الأسر، وخطورة نشر بعض المعلمين أفكاراً متشددة لدى طلابهم، بحكم غياب الرقابة على الأداء، التي توفرها المؤسسات التعليمية الرسمية.
ويجب التنبيه كذلك على أن دور الأسر وأولياء الأمور ضروري في هذه المرحلة، وأن تحلّيهم بالمسؤولية من الشروط الضرورية لاستمرار النجاح الذي حققته الدولة، كما يُفترض في الآباء أن يُقدِّموا إلى أبنائهم القدوة والمثل في احترام القوانين والحرص على تطبيقها. وربما تكون الظروف المرتبطة بانتشار فيروس كورونا فرصة للتخلص من آفة الدروس الخصوصية، والاستفادة بأقصى قدر ممكن من الخدمات التعليمية المتطورة التي تُقدِّمها المؤسسات التعليمية بالفعل إلى الطلبة في مدارس الدولة، ومعالجة جوانب النقص، إذا وُجِدت، بالتعاون مع المؤسسات التعليمية التي أظهرت انفتاحاً على كل الآراء والملاحظات.

عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية