الولايات المتحدة ستغلق سفارتها في بغداد إذا لم يكبح العراق هجمات المليشيات الشيعية على الأهداف الأميركية هناك. هكذا جاء التهديد الذي أطلقه وزير الخارجية الأميركي «مايك بومبيو». 
تحديد المهلة أواخر الشهر الماضي، والذي جاء مقروناً بوعد برد «قوي وعنيف» إذا لم تتوقف الهجمات، مثّل اعترافاً بالعجز، كما يقول محللون، وكشف حجم المأزق الذي تواجهه الولايات المتحدة في العراق، في وقت تسعى فيه إلى خفض عدد القوات الأميركية بدون الظهور بمظهر الهارب من النيران التي تطلقها تنظيمات مدعومة من إيران. 
إنه يُظهر كيف أن إدارة ترامب موزّعة بين رغبتها المعلنة في وقف «الحروب التي لا نهاية لها»، من العراق وسوريا إلى أفغانستان، وبين الانسحاب وفق شروطها. 
وفضلا عن ذلك، فإن التهديد الأميركي بإغلاق السفارة يمكن أن يجعل حكومة بغداد، التي تعاني أصلا من تداعيات وباء كوفيد-19 وتقلص عائدات النفط والاقتتال السياسي الداخلي والفساد المزمن وسنة من الاحتجاجات الشعبية.. أكثر عرضة لتأثير قوى خارجية. 
مهلة بومبيو قد تكون حُددت بهدف حث رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي على تبني موقف أكثر صرامة ضد النفوذ الإيراني، وبذل جهود أكثر لكبح المليشيات النافذة. لكنها أبرزت التحدي الذي يواجهه البيت الأبيض بين سياستين كثيراً ما تكونان متنافستين: سياسة فرض أقصى قدر من الضغط على إيران، التي ترى في العراق فرصةً للرد على الولايات المتحدة، وسياسة السعي لردع إيران في العراق. 
ومن الأدلة الإضافية على مأزق الانسحاب هو أنه رغم الهجمات، فإن البنتاجون أعلن الشهر الماضي عن خفض مستويات الجنود الأميركيين بقرابة النصف، أي إلى 3 آلاف عسكري، وذلك نظرا ل«الثقة» في «القدرة المتزايدة» للقوات العراقية على «العمل بشكل مستقل». 
الهجوم الصاروخي والهجمات الأخرى التي تشنها مليشيات مدعومة من إيران توقفت الآن، لكن قلة قليلة من الناس فقط ترى أن الردع الأميركي قد تحقق، أو أن هدف عرض الهدنة المؤقتة من قبل بعض المليشيات الشيعية الرئيسية هذا الأسبوع –مثل «كتائب حزب الله» التي قالت إن وقف إطلاق نار «مشروط» يتوقف على كشف الولايات المتحدة عن جدول زمني ل«انسحابها»– هو أكثر من مجرد الانتظار إلى حين انتهاء الانتخابات الأميركية. 
وفي هذا السياق، يقول عباس كاظم، مدير «المبادرة العراقية» في «المجلس الأطلسي» بواشنطن: «إن الولايات المتحدة تحاول تفادي الهزيمة». وأردف قائلا: «إنهم لا يريدون أن يُظهروا كما لو أنهم هُزِموا في العراق وطُرِدوا منه، خاصة أن إيران أوضحت أن إحساسها بالنصر سيتحقق عبر إجبار كل القوات الأميركية على الخروج من العراق». 
المجمع الضخم الذي يشكل مقر السفارة الأميركية -السفارة الأكبر في العالم حيث بني ليأوي 3 آلاف دبلوماسي، لكنه يعمل الآن بطاقم مقلص من الموظفين بسبب الأخطار الأمنية وخطر الوباء– يقال إنه بدأ عملية الإغلاق منذ مدة. 
وقد مثّل التهديد بإغلاقه هدية للفصائل في العراق وإيران التي تريد رحيل الولايات المتحدة. وفي هذا الصدد، يقول الكاظمي: «إذا كانت أولى أولويات إيران وأصدقائها هي إخراج القوات الأميركية من العراق، وقلت لهم إذا واصلتم شن هذه الهجمات، فإننا سنُخرج القوات ونغلق السفارة، فما الذي ستتوقع منهم؟ هجمات أقل أم أكثر؟»، ليجيب على سؤاله بالقول: «إن الأمر أشبه بدعوة لتكثيف هذه الهجمات». 
التهديد بإغلاق السفارة الأميركية في بغداد أثار زوبعة من ردود الفعل القوية. فالسفير الأميركي السابق ريان كروكر، الذي عمل في بعثات دبلوماسية في الخارج من بيروت إلى بغداد إلى كابول، دعا إلى «صبر استراتيجي» في العراق، وقال لصحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» إن إغلاق السفارة سيكون «عملا غير مسؤول على نحو لا يصدق». وقال كروكر: «ما ينبغي أن نكف عن فعله هو إلقاء اللوم على الكاظمي وتحميله مسؤولية وضع لم يتسبب فيه، وإنما نحن الذين تسببنا فيه»، مضيفاً: «يبدو كما لو أننا نبحث عن ذريعة ما لسحب سفارتنا أيضاً، الآن بعد أن سحبنا معظم جنودنا». 
هذا في حين اقرح آخرون إغلاق مجمع السفارة، «الذي لا يصغر عن ديزنيلاند سوى بقليل»، ويضم 20 مبنى مخصصاً للمكاتب و6 مبان سكنية كبيرة، وكلف بناؤه 750 مليون دولار، وشراء شيء أصغر بدلا منه، شيء «يتناسب مع مهمتها ودورها ونفوذها الحقيقي في العراق»، كما كتب ستيفن كوك، محلل شؤون الشرق الأوسط ب«مجلس العلاقات الخارجية» في نيويورك.
وكتب كوك في مجلة «فورين بوليسي» هذا الأسبوع يقول: «إذا كان المجمع الحالي يؤشر إلى غطرسة العقدين الماضيين، فإن مقراً جديداً للسفارة من شأنه أن يرمز للتواضع الأميركي بعد غزو واحتلال خاطئين». غير أنه يحاجج بأن انسحاباً عسكرياً من شأنه أن «يفرز نتائج عكسية في نهاية المطاف»، مضيفاً أن ترك العراقيين في مواجهة خطر تنظيم «داعش» وإرادة إيران «لن يؤدي إلا إلى إدامة ضعف العراق وعدم استقراره، ما يمنح طهران نصراً استراتيجياً لا تستحقه».

سكوت بيترسون

كاتب وصحافي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»