تجاوز الأربعين مليوناً عددُ الإصابات بفيروس كورونا في العالم، فيما تجاوزت الوفيات مليون حالة، وتتوقع «منظمة الصحة العالمية» أن تبلغ الوفيات مليونين قبل التوصل إلى لقاح فعال. جائحة لا مثيل لها في التاريخ الحديث اجتاحت 215 بلداً، واستهدفت بشكل خاص أكثر الدول تقدماً اقتصاديا وعلمياً، وهي الولايات المتحدة، حيث تجاوز عدد الإصابات فيها 8 ملايين، والوفيات تجاوزت الربع مليون، والوضع خطير في بريطانيا التي بلغت عدد الإصابات فيها نحو ثمان مئة ألف والوفيات تقرب من 45 ألفاً، أكثر من أي بلد في أوروبا التي سجلت أقطارها أكثر من خمسة ملايين إصابة، وبعض دولها حطمت أمس أرقاماً قياسية، بينها إسبانيا حيث بلغت الإصابات المليون. فيما حطمت فرنسا الرقم القياسي اليومي الذي تجاوز أربعين ألفاً.
والصين جنّدت قدراتها التنظيمية الحزبية وشبكتها الاستخبارية، وأفلحت في الخروج من كارثة وباء «كوفيد-19» بحالة اقتصادية أفضل من الولايات المتحدة، بينما تحتل روسيا المرتبة العالمية الرابعة بعدد الإصابات (نحو مليون ونصف مليون إصابة، إلى جانب 25 ألف وفاة). وسجلت السلطات الصحية الروسية ارتفاعاً قياسياً في عدد الإصابات الجديدة بفيروس كورونا خلال الأيام الأخيرة، وإن ارتفع مجموع المتعافين إلى نحو المليونين.
ولا تضاهي أرقام الوباء المروّعة أرقام ضحايا تغيّر المناخ العالمي الذين يُقدَّر عددهم بالمليارات، إذا وقعت الكارثة التي نرى ولا نرى عصفها يومياً بدول العالم جميعاً، من الولايات المتحدة إلى الصين. و«تغير المناخ العالمي» أحد أكبر خمسة أخطار تتهدد البيئة العالمية، وبينها تلوث جو الكرة الأرضية، ومياه المحيطات بغازات ثاني أوكسيد الكربون المنبعثة من محروقات الوقود كالفحم والنفط، والتي تمتصها وتعيد إرسالها كأمواج إشعاعات حرارية، وتؤدي إلى سخونة الهواء وسطح مياه المحيطات، وهو أمر جيد لولاه لتجمدت الكرة الأرضية، لكن المشكلة الآن تعاظم زيادة الكربون في جو الأرض، واضمحلال المزروعات، والتصحر. وتقدر «منظمة الصحة العالمية» أن واحداً من كل تسع وفيات في العالم سببها الأمراض الناجمة عن المواد المسرطنة وغيرها من السموم في الهواء الملوث.
وحضرتُ منذ ثمانينيات القرن الماضي الندوات والمؤتمرات العلمية الخاصة بالبيئة والمناخ، وبينها قمة زعماء العالم للتنمية والبيئة، التي أقيمت في ريودي جانيرو بالبرازيل، عام 1992، وقمة التنمية الاجتماعية في كوبنهاغن بالدانمرك عام 1996، وقمة المستوطنات السكانية العالمية التي عقدت في اسطنبول عام 1996. وكما يرينا انسحاب واشنطن من اتفاقية باريس للمناخ، يستحيل تأمين بيئة سليمة للعالم من دون تحقيق السلام العالمي الذي لا يعني عدم قيام حروب فحسب، بل قيام السلام العالمي من أجل البقاء. 
وكما قال «كلود ليفي شتراوس»، أحد أشهر فلاسفة الإنثروبولوجيا في القرن الماضي، فإن «لكل شيء تاريخ. ما قيل أمس تاريخ، وما قيل قبل دقيقة تاريخ، لكن فوق كل شيء فأحدنا يُقاد لإساءة الحكم على الحاضر، لأن ليس سوى دراسة التطورات التاريخية تتيح المجال لوزن وتقييم العلاقات المتبادلة بين مكونات المجتمع الراهن».

*مستشار العلوم والتكنولوجيا