على‎ ‬مقربة ‬بضعة ‬أيام ‬من ‬موعد ‬التصويت ‬الرسمي ‬لاختيار ‬الرئيس ‬الأميركي ‬السادس ‬والأربعين، ‬تشتعل ‬بورصة ‬التوقعات، ‬وتنتعش ‬قراءات ‬استطلاعات ‬الرأي، ‬وربما ‬تتضارب ‬تبعاً ‬لهوى كل ‬مؤسسة ‬أو ‬صحيفة. ‬وفي ‬وقت ‬اختلط ‬فيه ‬الحابل ‬بالنابل ‬في ‬الداخل ‬الأميركي على ‬أنه ‬وقبل ‬التوقف ‬مع ‬واحدة ‬من ‬القراءات ‬المثيرة ‬لأداة ‬البحث ‬العالمية ‬جوجل‬، ‬والخاصة ‬بمستقبل ‬المرشح «‬الجمهوري»‬، ‬الرئيس ‬ترامب‬، ‬يعن ‬لنا ‬أن ‬نتساءل ‬:‬ما ‬هي ‬مصداقية ‬استطلاعات ‬الرأي ‬وبنوع ‬خاص ‬في ‬انتخابات عام ‬2020؟
في‎ ‬واقع ‬الأمر، ‬نحن ‬أمام ‬استطلاعات ‬رأي ‬مؤدلجة، ‬بمعنى ‬أن ‬غالبية ‬الجهات ‬التي ‬تقوم ‬على معرفة ‬آراء ‬عينة ‬من ‬الأميركيين، ‬لا ‬تظهر ‬النتائج ‬وبما ‬يتفق ‬وحقيقة ‬المعلومات، ‬ولكن ‬بحسب ‬الهوى ‬والتوجه ‬الحزبي، ‬فإنْ ‬كانت ‬الأهواء ‬«جمهورية»، ‬جاءت ‬النتيجة ‬في ‬صالح ‬ترامب ‬وبفارق ‬كبير ‬عن ‬بايدن، ‬والعكس ‬صحيح.
عطفاً‎ ‬على ذلك، ‬فإن ‬النسبة ‬الأكبر ‬من ‬أنصار ‬ترامب «الجمهوريين»‬، ‬لا ‬سيما ‬في ‬الحزام ‬الإنجيلي ‬الجنوبي، ‬والذي ‬يميل ‬إلى ‬اليمين ‬الديني ‬الأصولي، ‬عادة ‬لا ‬يتعاطون ‬مع ‬مسألة ‬الاستطلاعات، ‬وربما ‬هذا ‬ما ‬يفسر ‬لنا ‬تقدم ‬بايدن ‬في ‬استطلاعات ‬الرأي، قبل ‬أن ‬يتقلص ‬الفارق ‬إلى نحو ‬نقطتين ‬مؤخراً. على‎ ‬أن ‬قراءة ‬أخيرة ‬لمحرك ‬البحث ‬العالمي «جوجل» ‬صدرت ‬في ‬الأسبوع ‬الأول ‬من ‬شهر ‬أكتوبر ‬الجاري، ‬قد ‬تغير ‬الأوضاع ‬وتبدل ‬الطباع، ‬بمعنى ‬أنها ‬قد ‬تحسم ‬قضية ‬الفائز ‬في ‬الانتخابات.
يظهر‎ ‬تحليل ‬32 ‬من ‬نتائج ‬الانتخابات ‬الأميركية التمهيدية السابقة ‬أن ‬27 ‬منها، ‬أي ‬84%، ‬جرى ‬التنبؤ ‬بها بدقة، من ‬خلال ‬ملاحظة ‬اهتمامات ‬البحث ‬في ‬جوجل. السؤال‎ ‬الآن: ماذا ‬لو ‬طبقنا ‬هذا ‬المنظور ‬على مدى ‬الإقبال ‬على ‬محركات ‬البحث، ‬وما ‬بين ‬ترامب ‬وبايدن؟ بحسب ‬مجلة «سايكولوجي ‬توداي»، ‬فقد ‬لوحظ ‬أن ‬ترامب ‬قد ‬ولّد ‬إلى ‬حد ‬بعيد، ‬أكبر ‬قدر ‬من ‬الاهتمام ‬بالبحث ‬على ‬المستوى ‬الوطني ‬في ‬عموم ‬الولايات ‬«الجمهورية» ‬الأميركية. غير‎ ‬أن ‬الأمر ‬لا ‬يمكن ‬أن ‬يكون ‬بدوره ‬صادقاً إلى المنتهى، ‬فالرئيس ‬ترامب، ‬وبوصفه ‬رئيساً ‬غير ‬متوقع، ‬فجّر ‬الكثير ‬من ‬الإشكاليات ‬‬على ‬الأراضي ‬الأميركية ‬طوال ‬السنوات ‬الأربع الماضية، ‬فإنه ‬لهذا السبب ‬قد ‬يكون ‬الأكثر ‬مشاغبة ‬لعقول ‬الأميركيين، ‬من ‬غير ‬أن ‬يعتبر ‬ذلك ‬مؤشراً ‬قاطعاً على ‬فوزه ‬نهار ‬الثالث ‬من ‬نوفمبر ‬المقبل.
والشاهد‎ ‬أنه ‬مهما ‬يكن ‬من ‬أمر ‬قراءة ‬جوجل ‬بالنسبة ‬لترامب، ‬فإننا أمام ‬حقيقة ‬تكاد ‬تضحى ‬مهيمنة ‬على ‬سماوات ‬أميركا ‬وانتخاباتها، ‬وهي ‬الدور ‬الخاص ‬بوسائل ‬التواصل ‬الاجتماعي، ‬وأدوات ‬الذكاء ‬الاصطناعي، ‬في ‬بلورة ‬توجهات ‬الناخبين، ‬والتأثير ‬على ‬مقدراتهم، ‬ولا ‬نغالي ‬إنْ ‬قلنا ‬التلاعب ‬في ‬بعض ‬الأحايين ‬بعقولهم، ‬وقد ‬صدق ‬من ‬قال ‬ذات ‬مرة : «‬في ‬عقولنا ‬ثعلب‬، ‬يلهو ‬يلعب»‬. من‎ ‬الفائز ‬عما ‬قريب؟
‎ ‬الجواب ‬غامض ‬جداً ‬هذه ‬المرة، ‬ويزيد ‬من ‬غموضه ‬حالة ‬الضبابية ‬التي ‬تسود ‬بعضا ‬من ‬الولايات ‬المتأرجحة ‬المهمة ‬في ‬حسم ‬المشهد ‬مثل ‬فلوريدا ‬وبنسلفانيا، ‬والأكثر ‬مدعاة ‬للقلق ‬الأخطاء ‬التي ‬تم ‬رصدها ‬حتى ‬الساعة ‬في ‬عملية ‬الاقتراع ‬المبكر.
‬وإذا أضاف ‬المرء ‬إلى ‬ما ‬تقدم ‬ ‬التصويت ‬البريدي، ‬وإلى ‬أين ‬سيقود ‬الولايات ‬المتحدة، ‬وحالة ‬الجاهزية ‬العدائية ‬من ‬«الجمهوريين» ‬و«الديمقراطيين»، ‬وأحدهم ‬ضد ‬الآخر، ‬فإن ‬المسألة ‬تعدو ‬مجرد ‬نتيجة ‬انتخابات ‬وحتى ‬لو ‬كانت ‬رئاسية، ‬بل ‬تساءل ‬عن ‬مستقبل ‬النموذج ‬الديمقراطي ‬الأميركي.. وإن ‬غدا ‬لناظره ‬قريب.
*كاتب مصري