تحظى اللغة العربية بمكانة رفيعة في دولة الإمارات العربية المتحدة، انطلاقًا من دوافع حضارية ودينية وجمالية ووطنية وعلمية وتنموية، تتعلق بدور اللغة في بناء الأوطان ورقيّها العلمي والإنساني، وتواصلها مع مختلف الثقافات. وقد تجسد هذا الاهتمام في عشرات المبادرات التي تُعنى باللغة العربية تعليمًا وتعلُّمًا وإبداعًا وتطويرًا وتوظيفًا للتقنيات الحديثة في جهود تقويتها وإثرائها، وإعدادها لمواكبة التحديات التي تطرحها التغيُّرات العالمية المتسارعة. وربما تكون دولة الإمارات من الدول القليلة التي خصَّصت استراتيجية متكاملة للغة العربية، تبدو فيها النظرة الشاملة إلى لغة الضاد، والوعي بتأثيراتها في مجالات مختلفة.
وتتمثل هذه الاستراتيجية في «الأجندة الوطنية للغة العربية»، التي ترتبط بالأجندة الوطنية لمئوية الإمارات 2071. ومن بين أهدافها: ترسيخ الهوية الوطنية، والحفاظ على التراث اللغوي والأدبي، وتأصيل عملية التعليم والتعلُّم، وتفعيل دور اللغة العربية في وسائل الإعلام، ونشرها للناطقين بغيرها، ومواكبة ثقافة العصر، وتمكين اللغة العربية من خلال التعريب، وإثراؤها بالإنتاج الفكري والبحوث العلمية، وترجمة الأعمال العربية إلى اللغات العالمية، ونقل العلوم والمعارف المختلفة من اللغات العالمية إلى اللغة العربية.
ويُعَدُّ عقد فعاليات مؤتمر اللغة العربية الدولي الاستثنائي، بعنوان «التعليم عن بُعد في تدريس اللغة العربية.. الواقع والمتطلبات والآفاق»، الذي ينطلق اليوم 25 أكتوبر 2020، جزءًا من المبادرات والجهود التي تشهدها الدولة بصورة مستمرة، إذ يُعقَد المؤتمر عن بُعد في مدينة الشارقة، صاحبة الإسهامات الكبرى في احتضان الفعاليات الخاصة باللغة العربية والاحتفاء بها، تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتحاد، حاكم الشارقة. والمؤتمر ثمرة جهد مشترك بين المركز التربوي للغة العربية لدول الخليج في الشارقة، أحد أجهزة مكتب التربية العربي لدول الخليج، ووزارة التربية والتعليم في الدولة.
ولا ينفصل اختيار دولة الإمارات مقرًّا لعقد المؤتمر عن مُجمل جهودها في تعليم اللغة العربية وتعلُّمها، وما أنجزته من معالجات علمية مكتملة لهذا الموضوع، ومن أمثلتها تقرير «العربية لغة حياة» الذي صدر عام 2013، وتضمَّن رؤية شاملة غير مسبوقة لقضايا تعليم اللغة العربية وتعلُّمها من جميع جوانبها، وضَعَتها نخبة علمية وبحثية منتقاة، بتوجيهات من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله. ويمكننا كذلك أن نتحدث عن سلسلة طويلة من المبادرات لن يكون آخرها إنشاء «مركز أبوظبي للغة العربية»، الذي يتبع دائرة الثقافة والسياحة– أبوظبي، وهو المركز الذي تتضمَّن اختصاصاته وضع الخطط والاستراتيجيات الخاصة للنهوض باللغة العربية، واقتراح التشريعات اللازمة لتمكينها وتعزيز استخدامها في مختلف المخاطبات والأعمال الرسمية في الإمارة، بالتنسيق مع الجهات المعنية، والمراجعة الدورية المنتظمة للمناهج والنظم التعليمية الخاصة باللغة العربية في المؤسسات التعليمية، بهدف تطويرها، ووضع المعايير العلمية المتعلقة بذلك.
وليس ممكناً أيضًا فصل عقد المؤتمر على أرض الدولة عن نجاح تجربة التعليم عن بُعد التي فرضتها جائحة كورونا، فقد أثبتت الدولة جاهزيتها وقدرتها على إدارة هذه العملية وفق أفضل المعايير العالمية، والتغلُّب على التحديات المرتبطة بالتعليم عن بُعد. ولم يكن ذلك النجاح بدوره منفصلًا عن استعداد مسبَق للظروف الطارئة، وإدراك استشرافي لأهمية التعليم عن بُعد حتى قبل جائحة كورونا. ويمكن الإشارة هنا إلى إطلاق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، في 19 ديسمبر 2019، منهجًا دراسيًّا إلكترونيًّا متكاملًا للغة العربية عبر موقع «مدرسة» يضم 1000 فيديو تعليمي لكل المراحل الدراسية. ويؤكد تاريخ الإطلاق، الذي يسبق ظهور كورونا، النظرة الاستشرافية للتعليم بدولة الإمارات، ولتعليم اللغة العربية خصوصًا، على الرغم من الصعوبات التقليدية التي تكتنف تعليمها، وتحديات الخروج من الإطار التقليدي الذي انحصرت فيه وقتًا طويلًا، وهو ما تعمل عليه دولة الإمارات بوعي واقتدار.

* عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.