تلاقى افتراضياً مساء الثلاثاء الماضي مفكرون وباحثون من كتاب صحيفة «الاتحاد» ومثقفي دولة الإمارات لعقد منتدى «الاتحاد» الخامس عشر، جرياً على العادة السنوية للصحيفة، وقد توافق المنتدى مع الأجواء السياسية والعامة المصاحبة لمعاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية، وبالطبع أيضاً التحولات والإجراءات التنظيمية والاقتصادية التي اتبعتها جميع أمم العالم بسبب جائحة كوفيد-19. 
يمثل السلام القوة الرئيسية والفاعلة في العلاقات الدولية، وقد ازداد قوةً وأهميةً منذ الحرب العالمية الثانية التي أعطت العالم دروساً حازمة، جعلت جميع الأمم المتقدمة تستبعد الحرب مهما كانت الخلافات والأسباب، لأنه وببساطة يمكن للسلام والمصالح الاقتصادية أن تؤثر في نتائج الصراع والخلافات والوصول إلى نتائج وتسويات أفضل وأهم من الانتصار العسكري (إن حدث) وأقل كلفة، والأكثر أهميةً تجنبُ الأذى في الروح والقلب الذي أعقب الحرب، وظل جرحاً غائراً وعميقاً في ضمير الأمم، وتشكل ضميراً عالمياً يعلي من شأن السلام. 
ثم تحول السلام إلى مورد اقتصادي تقوم عليه أعمال ومصالح للأمم والأفراد والمجتمعات، وصار ممكناً لكل دولة فرص في توظيف قوتها الناعمة بدلاً من الخشنة أو العسكرية، للتأثير والمشاركة في مسار واتجاه العلاقات الدولية، وبالطبع فقد أعطت دول مثل اليابان وألمانيا ثم سنغافورة دروساً مهمة للعالم حول إمكانية التأثير وإحراز التقدم من غير حروب ولا سلاح ولا قوة عسكرية.
ودولة الإمارات العربية المتحدة قامت أساساً على السلام، وامتلكت تجربة سياسية راسخة تنشئ المصالح والتفاهمات والتسويات، بناء على التأثير السلمي والاقتصادي والقوة الناعمة، لأنه وببساطة تدور السياسة والمصالح حول تسويات بين أطراف لا يستغني بعضها عن البعض، وليس في مقدور أحد أو في رغبته أن يخفي الآخر مهما كان التفاوت في القوة والحجم والموارد. 
لقد وصل الصراع العربي الإسرائيلي إلى حالة من الركود والانسداد، لكن العالم لا ينتظرنا وليس مشغولاً بنا وحدنا، وإذا لم نبادر بأنفسنا وبمواردنا وفرصنا المتاحة لإدارة الخلافات باتجاه يجعل الجميع يكسبون ويواجهون تحدياتهم معاً، أو على الأقل يقللون من الجهد والهدر المبذول في مواجهة تحديات عالقة لأجل متطلبات أخرى ضرورية ومهمة.. فستكون الخسارة من نصيب الجميع، وقد يؤدي التقدم (بل هو مؤكد) في الأسواق والمصالح والتعاون في مجالات كثيرة ليست مرتبطة بالأزمة على نحو مباشر أو وجودي، إلى حلحلة المشكلة الأصلية العالقة والمستعصية.
إن السلام لا يعني بحال من الأحوال الانحياز ضد أصحاب الحق أو الموافقة على الاحتلال أو إنكار حقوق الفلسطينيين في أرضهم وتقرير مصيرهم، لكن الصراع أخذ مع الزمن أبعاداً ووجهات أكثر تعقيداً وتداخلاً، وكما العالم يفعل في كل عصر، فإن الأمم تختلف وتتفق في آن معاً، وتدير خلافاتها وأزماتها في منظومة متعددة ومتنوعة تشمل الصراع والسلام في آن واحد، وقد ثبت في التاريخ المعاصر على الأقل أن السلام أقوى تأثيراً في التسويات وأكثر فائدة من الحروب، فالصراع العسكري يلغي كل قوة للأمم سوى السلاح والموت، لكن السلام يفتح المجال للتنافس والتأثير واستخدام مصادر وموارد كثيرة للتفاعلات السياسية والاقتصادية.. وعلى أي حال فإننا بالسلام لن نخسر شيئاً إذا لم نكسب الكثير.
إن السلام قوة عظيمة ومؤثرة، وقد أثبتت دولة الإمارات العربية المتحدة مقدرةً كبيرة في بناء ذاتها وازدهارها على أساس السلام، وفي التأثير في الشأن العالمي والإقليمي، وأن لديها الكثير من الإمكانيات والفرص والثقة بالنفس لمشاركة العالم على النحو الذي يحمي مصالحها ولا يضر بالأطراف والشركاء.

*كاتب أردني