رحل عنا قبل أيام المغفور له إبراهيم العابد، وهو القامة البارزة في حقل الإعلام بشكل عام وقطاع الأخبار بشكل خاص، والذي أخذ على عاتقه منذ سبعينيات القرن الماضي مهمة نشر ثقافة «الخبر» الموثوق به من المصادر الرسمية، والذي يعكس موقف دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي هذا الإطار، فقد تولى «العابد» العديد من المناصب الرسمية الإعلامية في الدولة، امتلك خلالها، رحمه الله، شخصية متفردة ومتميزة في العديد من الجوانب التي تعرفت إليها عن قرب منذ منتصف التسعينيات.
فقد لاحظ جل من تعامل بقرب مع «إبراهيم العابد» مدى المهنية التي اتسم بها سلوكه وأفعاله واحترامه الشديد للآخرين ولمهنته التي تفرغ لها خمسة عقود حتى أصبح من المحطات الإعلامية البارزة محلياً وعربياً وعالمياً، ولكن بالإضافة إلى ذلك فقد عرفته رحمه الله محباً للثقافة ومواظباً على معرفة التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة والعالم، إذ حرص على حضور كافة أنشطة مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية منذ تأسيسه عام 1994 بجانب فعاليات المنتدى السنوي لصحيفة الاتحاد طيلة الأعوام الأربعة عشر الماضية، كما كان «العابد» دوماً المستجيب الفوري والأول لكافة الاتصالات الهاتفية لمن يرغب في سؤاله عن موضوع الساعة أو للتأكد من خبر ما، ولذلك كان، رحمه الله، دائماً مصدراً للخبر الموثوق والمؤكد، ولقد زاد هذا السلوك من احترام جميع من تواصل مع «العابد» لشدة الاحترافية والمهنية التي تميز بها. 
ومن أبرز الصفات الشخصية التي تميز بها «إبراهيم العابد» أيضاً، البشاشة والابتسامة والحيوية والطاقة الإيجابية والذاكرة القوية والاستعداد دوماً للمساعدة وإبداء الرأي والمشورة، أضف إلى ذلك اتباعه سياسة الباب المفتوح، فقد كان مكتبه دوماً مفتوحاً لمن يرغب في زيارته سواء بموعد مسبق أو من دون موعد، ولعل من حرص على زيارته عندما كان مديراً للمجلس الوطني للإعلام، قد لاحظ حسن الاستقبال وسعة الصدر التي تميز بهما «العابد» بجانب الكتب والمراجع والدوريات، التي زخرت بها مكتبته حينذاك. وفي هذا الإطار، كان يحرص، رحمه الله، على اقتناء كل ما يصدر من دور النشر المحلية والعربية لإيمانه الشديد بأهمية القراءة والاطلاع.

شخصية إبراهيم العابد ومدى ما اتسم به من حب لمجال الإعلام والأخبار والصفات الإيجابية التي زرعت التقدير والاحترام في صدور من تعامل معه، جعلت القيادة الرشيدة لدولة الإمارات العربية المتحدة تضع ثقتها فيه، ليتولى مناصب كان لها الأثر البالغ في رسم الصورة الإعلامية الإيجابية للدولة أمام العالم أجمع، فقد تسلم مسؤولية الإعلام الخارجي في وزارة الإعلام عام 1975، وتم تكليفه بتأسيس وكالة أنباء الإمارات (وام) عام 1977، ليتولى بعد ذلك قيادة الفريق الإعلامي لتأسيس وكالة الأوبك في فيينا عام 1980، ثم تم تعيينه مدير عام «المجلس الوطني للإعلام»، وأخيراً مستشاراً لرئيس المجلس. 
وخلال تلك المسيرة المهنية الحافلة بالمسؤوليات الجسام والمهام الكبيرة، والتأسيس والتطوير والتدريب، لم أره يوماً يشكو من ضغوط العمل، بل كان دوماً يتلقى المزيد من التكليفات بقلب وطاقة الشاب حديث التخرج من الجامعة والطامح لبذل الجهد، وبناء حياة عملية ناجحة، وفي خضم ذلك كله، أعطانا إبراهيم العابد أيضاً درساً في اختيار الوقت المناسب للحديث واختيار الكلمات المناسبة، وعدم تجاوز الحدود، ولذلك كان رحمه الله مدرسة تعلم على يديه الكثير، وتلك أبرز الصدقات التي تجري على روحه رحمه الله.

*باحث إماراتي