تشعر بأن العالم غارق في الكراهية والفوضى من جراء الأحداث التي تمر على العالم بشكل يومي، والتي تعكس مدى التمدن والتحضر الذي وصل إليه العالم في مظاهره الخارجية، وفي المقابل مدى التقهقر القيمي في مجتمعات نابضة بالحياة من جهة، ومن جهة أخرى تشعر بأنها مقابر تراجع حضاري في التعامل البشري غير عادل ومنحاز لرؤى ضيقة. وانحسار في المد الأخلاقي الذي يميز الإنسان عن غيره من الكائنات، لتطل علينا على الدوام إرهاصات الصدام الثقافي في تكوين الشعوب الفكري والإيديولوجي والروحي، والسؤال الأكثر شيوعاً الذي يجب أن يطرح هنا هو: لماذا تتنامى وتكبر شوكة خطاب وممارسات الكراهية؟ وهل توجد حلول سحرية لجعل أفراد المجتمعات يحترمون اختلافاتهم وعدم تحويلها لخلاف؟ وإنْ كان كل واحد منهم لديه إطلالة خاصة على الحقيقة.
وبالرغم مما حدث للعقل البشري ومما وصل إليه من تقدم مادي إلّا أنه لم يستطع أن يتجاوز بعد محنة العنصرية، وجعل التسامح والتعايش التشاركي السلمي في المجتمع الواحد نهج حياة لا يختلف عليه اثنان لكونه الطبيعي والعقلاني. لكن هل الطبيعي والعقلاني توجه موحد بين الناس؟ وهل نستطيع إعادة عقارب الساعة إلى الوراء لجميع شعوب العالم حتى تعترف بإنسانية مشتركة؟ ومسح تاريخ العداوات والتنافس، والخصومة الدينية والقيمية والحضارية والمعنوية والمادية. والجواب لسوء الحظ هو «لا» بطبيعة الحال، والاحترام المشترك في الحوار بين الثقافات هو احترام مبني على القوانين والعقوبات والعلاقات الدولية والمصالح بين البشر، وليس على إيمان راسخ بأن البشر سواسية، ولا تزال هناك حاجة إلى حكمة كافية لمنع الصراعات العنيفة، أو للقضاء على الفقر أو لتمكين الجميع من التعلم، ولكن هل كل ذلك كاف لكي يعيشوا في وئام وعالم آمن؟!
ففي هذا المشهد العالمي المعولم المضطرب يجب أن يكون السلام أكثر من مجرد غياب الحرب، وتعزيز الاحترام العالمي للعدالة وحقوق الإنسان، وذلك لأن السلام عملية مستمرة، وهدف طويل الأجل يتطلب جهوداً عالمية شعبية مستمرة، ويقظةً تعبر وتسود جميع الحضارات والثقافات، ومشاركة نشطة من جانب جميع الأفراد في المجتمعات. 
أصبح من الأهمية بمكان أكثر من أي وقت مضى تعزيز ونشر القيم والمواقف والسلوكيات المؤدية إلى الحوار، واللاعنف والتقارب بين الثقافات بما يتماشى مع مبادئ جديدة أممية يجب أن يعلن عنها بعيداً عن الإعلان العالمي لليونسكو بشأن التنوع الثقافي، والذي لم يكن له أثر في منع الحكومات قبل الشعوب من نشر خطاب الكراهية، وازدراء الأديان والثقافات والتنوع السكاني والجغرافي والمجتمعي، وضمان التفاعل المتناغم بين الناس والجماعات ذات الهويات الثقافية المتعددة والمتنوعة والديناميكية، فضلاً عن استعدادهم للعيش معاً، وجعل السياسات الرامية إلى إدماج ومشاركة جميع السكان ضمانات للتماسك الاجتماعي وحيوية المجتمع المدني والسلام.
ولا يمكن فصل التعددية الثقافية عن الإطار العالمي للأمن الإنساني، والذي يتطلب استثمارات واسعة وقيادة مستنيرة وقيماً تعليمية قوية، وبحوثاً مستفيضة في مجال الابتكار الاجتماعي. وهذا يتحقق بتنمية الشعور بالانتماء والولاء للمجتمع البشري ككل، وسد الفجوة عن أولئك الذين يرون التنوع والقبول بين البشر تهديداً ومن لديهم الشعور المشترك لتحالف الحضارات ووقف موجة التعصب، وأن لا تكون المؤسسات مصدراً للانقسام، ومعول هدم للقواسم المشتركة بين الثقافات. وينبغي أيضاً تقليل فجوة التباين في التصورات، وإعادة تأكيد المبادئ الروحية الأساسية التي بنيت عليها رواياتنا الدينية وصورنا وقيمنا، وكل ذلك يقودنا إلى استجابات مشتركة للمعاناة الإنسانية المشتركة.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.