يترقب العالم بأسره حدثاً مهماً بداية الشهر المقبل يتمثل في انتخابات الرئاسة الأميركية في ظروف غير مسبوقة، وعلى رأسها جائحة كورونا التي حصدت أرواح آلاف الأميركيين، وأصابت العديد منهم وعلى رأسهم ساكن البيت الأبيض نفسه دونالد ترامب وزوجته وبعض موظفي مكتبه وأعضاء حملته الانتخابية. وتنظر العديد من الدول باهتمام إلى مسار هذه الانتخابات بين منتظر لنهاية السياسة الخارجية الأميركية الحالية التي رسمها الرئيس ترامب، سواء في علاقات بلاده بالحلفاء التقليديين أو بالدول التي دخل معها في صراعات استراتيجية واقتصادية لا متناهية، أو بالمنظمات العالمية والاتفاقيات الدولية التي أحدث فيها شروخاً كما هو شأن اتفاقية باريس للمناخ.. وبين مترقب لاستمرار هذه السياسات في إطار استمرار ترامب رئيساً لفترة ثانية. ولا يتعلق الأمر فقط بالسياسة الخارجية، ولكن أيضاً بالسياسة الداخلية في ميادين الرعاية الصحية والاقتصاد وقوانين الهجرة.
لكن الشيء المهم الذي أود التوقف عنده هنا هو طبيعة الانتخابات الرئاسية الأميركية المعقدة، والتي نجد نحن أساتذة العلاقات الدولية والقانون المقارن حلاوةً في إعطاء أسئلة عنها لطلبتنا في الجامعات عندما نريد أن نمتحنهم حول النظام الانتخابي المقارن في الدول الغربية، ووحدها الولايات المتحدة تتبع نظاماً خاصاً معقداً لم يستطع أحد تغييره رغم الدعوات المستمرة من الكونجرس بل ومن القانونيين الأميركيين. فأول مسلّمة قانونية في هذا النظام الانتخابي المعقد هي أنه قائم على الاقتراع العام غير المباشر، من حيث اعتماده في نهاية المطاف على الهيئة الناخبة أو ما يسمى «المجمع الانتخابي» أو الكلية الانتخابية لحسم ‬هوية ‬الرئيس ‬الجديد. ‬وهذا ‬يعني ‬طبعاً ‬أن ‬الحصول ‬على ‬غالبية ‬أصوات ‬الناخبين ‬لا ‬يعني ‬الفوز ‬بالاقتراع.
ونحن نتذكر أنه في 2016 حصلت المرشحة «الديمقراطية» هيلاري كلينتون على نحو ثلاثة ملايين صوت أكثر من منافسها «الجمهوري» دونالد ترامب، لكن هذا الفارق في ما يسمى «الاقتراع الشعبي» لم يمنع ترامب من الفوز برئاسة الولايات المتحدة خلفاً لباراك أوباما. والسبب وراء هذا الأمر الذي يعرفه فقهاء القانون الدستوري جيداً، هو أن ما يحسم السباق إلى البيت الأبيض هي الهيئة الناخبة أو «المجمع الانتخابي». 
ويعود نظام الانتخاب الرئاسي بالاقتراع العام غير المباشر في دورة واحدة إلى دستور 1787، وحدده «الآباء المؤسسون» (بينهم جورج واشنطن وتوماس جيفرسون) كتسوية بين انتخاب رئيس بالاقتراع العام المباشر وانتخابه من قبل الكونغرس وفق نظام اعتبروه في وقته غير ديمقراطي.
وعملا بهذا النظام، يتعين على مرشح رئاسي الحصول على الغالبية المطلقة من أصوات الهيئة الناخبة، أي 270 من 538 صوتاً، للفوز بالرئاسة. ورغم عدة محاولات في الكونغرس لإجراء تعديلات أو لإلغاء الهيئة الناخبة إلا أن الأمر لم يتغير منذ 233 عاماً.
ويتوزع كبار الناخبين على الولايات الخمسين التي تشكل الولايات المتحدة الأميركية، إضافة إلى العاصمة الاتحادية واشنطن، وفقاً لعدد ممثلي كل منها في مجلس النواب (حسب عدد سكان الولاية) وفي مجلس الشيوخ (اثنان لكل ولاية بغض النظر عن الحجم).
‭ ‬ولا ‬يزال ‬هذا ‬النظام ‬الانتخابي ‬يثير ‬الكثير ‬من ‬الجدل ‬في ‬الولايات ‬المتحدة ‬بين ‬السياسيين ‬والقانونيين، ‬لاسيما ‬أن ‬ترامب ‬هدد ‬عدة ‬مرات ‬بعدم ‬الاعتراف ‬بنتيجة ‬التصويت ‬حال ‬فوز ‬منافسه ‬«الديمقراطي» ‬جو ‬بايدن.
وفي المجموع، وصل خمسة رؤساء للبيت الأبيض رغم أنهم خسروا الاقتراع الشعبي، أولهم كان جون كوينسي أدامز عام 1824، ومنهم أيضاً بوش الابن في ‬عام ‬2000، إذ كان «جور» قد تقدم بفارق 500 ألف صوت على المستوى الوطني، لكن عندما فاز بوش بأصوات فلوريدا ارتفع مجموع أصوات الهيئة الناخبة إلى 271، مما حسم له الرئاسة. وبعد فوز ترامب بـ306 من أصوات كبار الناخبين في انتخابات 2016، وقع ملايين الأميركيين عريضة تدعو كبار الناخبين الجمهوريين إلى قطع الطريق عليه. لكن المساعي باءت بالفشل في غالبيتها، لأن عضوين فقط في تكساس التزما بالدعوة، ما ترك ترامب مع 304 أصوات.
هذه هي طبيعة النظام الانتخابي الأميركي، وهو ما ينذر بمفاجآت غير مسبوقة في الأيام القليلة المقبلة.

*أكاديمي مغربي