تتصل لوسي أليكسندرا سبنسر عبر الإنترنت، ويبدو صوتها واضحاً وضوحاً بلورياً. كان يمكن أن تكون جالسة على بعد مترين في احترام للتباعد الاجتماعي، ولكن بدلاً من ذلك توجد سبنسر بالقرب من بلدة نمساوية صغيرة مطلة على جبال الألب يعود تاريخ إنشائها إلى القرون الوسطى في عطلة صيفية، حيث تستغل المعلمة السابقة التي تحولت إلى مدربة على الإنترنت اتصالاً استثنائياً بالإنترنت.
غير أنها عندما تعود إلى بيتها البريطاني في بيركشر على أطراف لندن، تكون سرعات الإنترنت بطيئة لدرجة تضطر معها لاستخدام هاتفها الخليوي كنقطة اتصال بالإنترنت، وتحمل معها شبكة «واي فاي» إضافية محمولة لضمان أقل قدر ممكن من الاضطراب في الدروس التي تقدمها على الإنترنت. فالأمر يقتضي تكاليف شهرية مرتفعة من أجل البقاء على اتصال بالإنترنت في المملكة المتحدة.
وتقول سبنسر: «إنه أمر جنوني أن يكون لديك كل هذا الكم من الاحتياطات، ولكن الاحتراز مهم للغاية»، مضيفة «لقد كان لدي درسان خلال كل فترة الإغلاق اضطررت لإعادة برمجتهما بسبب مشاكل الاتصال بالإنترنت».
والواقع أن سرعات الإنترنت متأخرة عن كثير من الدول الأصغر مساحة والأقل ثروة. فوفق تقرير للمفوضية الأوروبية، فإن النطاق العريض عالي السرعة في سلوفينيا وليتوانيا يتفوق على نظيره الموجود في بريطانيا. كما أن إيستونيا، التي لديها ناتج محلي إجمالي يقدر بـ30.7 مليار دولار – ما يمثل جزءاً بسيطاً جداً من الناتج المحلي الإجمالي لبريطانيا في 2018 والبالغ 2.3 تريليون دولار – تتفوق على المملكة المتحدة في اتساع الاتصال عبر الإنترنت وسرعته.
وفضلاً عن ذلك، فإن جودة اتصالات الإنترنت المتذبذبة في بريطانيا تتسبب في التفاوت الاجتماعي عبر المجتمع البريطاني وتبرزه. تفاوت أصبحت أكثر وضوحا خلال فترة الإغلاق التي فرضها وباء كوفيد 19. ونتيجة لذلك، يخشى مالكو الأراضي والعقارات والشركات في أرياف إنجلترا وويلز أن يعيق ضعف الاتصال بالإنترنت الانتعاش الاقتصادي لبريطانيا في وقت يحاول فيه البلد الخروج بصعوبة من أكبر أزمة تراجع اقتصادي في أكثر من 300 سنة.
وفي هذا السياق، يقول صامويل برايت، وهو محرر في مجلة رقمية ناشئة: «إن اقتصادنا في فترة فيروس كورونا يعتمد على قدرة الناس على العمل من البيت، والحال أن ملايين الناس عالقون فعلياً في العصور الوسطى بسبب خطأ لا يد لهم فيه».
مشاكل بريطانيا تعود إلى الثمانينيات، حين خلقت خصخصة مؤسسات كانت تملكها الدولة مثل الاتصالات عملياً مجموعة من الشركات التي تعرض أسعاراً مرتفعة وتميزاً قليلاً. وعلى سبيل المثال، فإن كابلات الإنترنت كثيراً ما تستخدم حتى هذا اليوم الأسلاك النحاسية المصممة للهواتف في الأصل والتي تُعد صيانتها رخيصة. 
ويمكن أن تتسبب الرياح والأمطار في انقطاعات، بينما تكون التغطية ضعيفة إلى منعدمة إذا كان السكان سيئي الحظ وكانوا يعيشون في نهاية خطوط الهاتف. إذ يمكن أن يجعل ذلك كل شيء محبطاً، سواء تعلق الأمر بمكالمة فيديو أو مشاهدة الأفلام أو ولوج خدمات أساسية.
ويخشى «برايت» أن يفاقم ضعف الاتصال بالإنترنت عزلةَ البريطانيين الريفيين، سواء الكبار منهم أو الشباب، والذين يمثلون «قطاعا من السكان يعاني أكثر من غيره»، كما يقول، مضيفاً أن «المثير للسخرية هو أنهم الأشخاص أنفسهم الذين عانوا على مدى عقود من ضعف النقل، وبنية تحتية متهالكة، وصناعات تحتضر».
وعلاوة على ذلك، فإن الاتصال الضعيف بالإنترنت يهدد الزراعة أيضاً، إذ يقول «نايجل هولتن»، وهو مدير منظمة تمثل الشركات وملاك الأراضي في المناطق الريفية من ويلز وانجلترا: «إن المزارع تستخدم موارد الإنترنت بشكل متزايد، والكثير من الشركات الريفية تستغل الاتصال عبر الإنترنت لتسويق السلع والخدمات وتوفيرها».
غير أن ثمة نقاط تقدم. ففي كورنوول، التي تقع بالقرب من دارتمور، توجد بعض من أسرع اتصالات النطاق العريض الذي يستخدم الألياف البصرية في العالم بفضل 53.5 مليون جنيه إسترليني (أي ما يعادل 71 مليون دولار) من التمويل من الاتحاد الأوروبي. غير أن قرار بريطانيا الانسحاب من الاتحاد يغلق الباب أمام تمويل إضافي من الاتحاد الأوروبي.
وقد اقتُرحت حلول، ولكنها رُفضت في صناديق الاقتراع. فالزعيم السابق لحزب «العمال» جيريمي كوربن اقترح تأميم النطاق العريض خلال حملة الانتخابات الوطنية في ديسمبر الماضي، ولكن فوز حزب «بوريس جونسون»، حزب المحافظين، الذي يدافع عن الابتكار الذي يقوده السوق، أغلق الباب في وجه بدائل ممكنة تديرها الدولة.
غير أن التقدم لا يمكن أن يأتي بسرعة كافية بالنسبة لمقدمة البرامج الإذاعية ميرا شارما. فقد كانت تعيش في الولايات المتحدة، «حيث الاتصال بالإنترنت أحسن بكثير». وعندما عادت إلى بريطانيا مع أسرتها، عانت من اتصالات متذبذبة أعاقت مقابلاتها على الإنترنت. 
وتقول شارما بينما تتردى جودة الاتصال معها مؤقتاً: «إن المبلغ الذي ندفعه... ينبغي أن تقوم الحكومة بعمل أفضل من هذا»، مضيفة «على بريطانيا أن تنهض وتدخل في القرن الحادي والعشرين!». 

شافي مصدق
مراسل «كريستيان ساينس مونيتور» في لندن
ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور