مع تصاعد التوتّر الاجتماعي وشيوع الغضب والحذر والخوف في فرنسا، تكاد زمرة قتلة إرهابيين أن تختزل خمسة إلى ستة ملايين مسلم، هم في غالبيتهم الساحقة فرنسيون يمارسون حياةً عاديةً، ويعرفون أن احترام القوانين ليس خاضعاً للجدل، خصوصاً أن تلك القوانين لا تضيّق عليهم في تديّنهم، لا باسم علمانية الدولة ولا باسم مسيحية السواد الأعظم من الشعب الفرنسي. لذلك فإن اندماج المسلمين أو عدمه هو أولاً مسؤوليتهم، قبل أن يكون مسؤولية الدولة التي اختاروا اللجوء إليها أو حتى اضطروا إلى ذلك لأسباب شتّى. وعندما يخرج من بيئاتهم متطرّفون ينضوون في صفوف تنظيم «داعش» ولا يتورّعون عن الإجرام الوحشي، معرّضين الأمن والاستقرار في فرنسا نفسها للخطر، فهذا يلقي عليهم مسؤوليةً مضاعفةً، خصوصاً عندما يشهر القتلة الإسلام كدافعٍ وغطاءٍ لجرائمهم. 
ليل 13 نوفمبر 2015 هاجمت مجموعة من الإرهابيين متعدّدي الجنسية مسرحاً ومقاهي باريسية وحتى أفراداً في الشوارع. كان ذلك من تداعيات مشاركة فرنسا في التحالف الدولي لمحاربة «داعش»، لكنه كان مؤشّراً إلى وجود خلايا وبنى إرهابيةً منظَّمةً، لا في فرنسا فحسب بل أيضاً في بلدان أوروبية أخرى. منذ ذلك اليوم وُضعت «بيئات إسلامية» فرنسية عديدة تحت المراقبة، لكن ما يسمى «الإسلام السياسي» كان قد بدأ يتجذّر منذ الثمانينيات، مخترقاً الروابط والجمعيات التي أقيمت، بطلب من باريس، لتنظيم الشؤون الدينية للمسلمين. لم تحقّق تلك الهيئات سوى جزء مما يُتوقّع منها، ما تطلّب إعادةَ نظر دورية في دورها وعملها، إذ أنها أخفقت في توجيه شريحة من الشباب ظلّت هامشية وبعيدة عن التعليم وسوق العمل، لذا راح «الإسلام السياسي» يستغل هذه الفئة ويعدّها لتكون «قنبلة موقوتة» في المجتمع وعناصرَ في متناول «القاعدة» و«داعش» لاستمالتها وتجنيدها.
وفي 26 يوليو 2016 دخل شابان «داعشيان» كنيسة سانت إتيان في النورماندي وذبحا الكاهن. لكن استنكار مسلمي المنطقة وتحرّكهم سريعاً للتبرّؤ من الجريمة، كذلك ظروف احتدام الحرب على الإرهاب في العراق وسوريا، ساعدت في تجاوز الحادث رغم خطورته البالغة. إلا أن مجيء ذلك التونسي كلاجئ غير شرعي إلى باريس قبل عشرين يوماً من ركوبه القطار إلى نيس ودخوله الكنيسة بُعَيد وصوله ليستلّ سكينه ويمعن في ذبح ضحاياه، دلّت أولاً على أن هناك مَن أرسله ومَن استقبله ثم أرشده إلى «الهدف»، وثانياً على أن اختيار الكنيسة يتعمّد الاستفزاز والتحدّي لاستدراج أعنف ردود الفعل سواء من السلطة أو من المجتمع، بل يتقصّد إفساد حياة المسلمين في فرنسا.
وحين أعلن الرئيس الفرنسي مطلع أكتوبر الماضي خطة تشريعية لمواجهة «الانعزالية الإسلاموية» وحماية «قيم الجمهورية»، ربما أراد استباق الخطر لكن كثيرين يعتقدون أنه تأخر، بدليل الهجمات التي سبقت خطّته وتلتها. دخلت فرنسا الآن منعطفاً تاريخياً خطيراً، ومعركة دقيقة قوامها إنفاذ القانون من دون استثارة أي مشاعر ذات بُعد ديني. قد يكون ماكرون منسجماً تماماً مع نفسه بدفاعه عن حرية التعبير كإحدى «قيم الجمهورية»، لكن هل يجب أن تشمل تلك الحرية رسوماً يعتبرها المسلمون مسيئة لدينهم ونبيّهم؟ وهل كان من الحكمة توفير ذرائع يتأبطها أردوغان، ثم مهاتير محمد، لركوب الموجة وادّعاء «الدفاع عن الإسلام»، وبالتالي إعطاء الإرهابيين تبريراً لجرائمهم؟