أعلنت الولايات المتحدة الأميركية انتخابها لرئيس جديد هو «الديمقراطي» جو بايدن، الذي سيدخل البيت الأبيض في العشرين من يناير القادم ليكون الأكبر سناً بين كل الرؤساء الأميركيين الذين سبقوه، لم تنته قصة الشبهات التي تم طرحها حول هذه الانتخابات بعد، وسيتابع العالم في الفترة القليلة القادمة صراع المحامين من الحزبين «الجمهوري» و«الديمقراطي» أمام المحاكم الأميركية، وستتضح تدريجياً الصورة الأقرب لحقيقة ما جرى في الانتخابات، والتي سيبقى جزء منها ليضاف لمناطق الغموض في التاريخ، تلك التي يتم فيها بناء نظريات لا تنتهي لمؤامراتٍ يفسرها كل بحسب توجهه وفكره.
انحياز الإعلام اليساري الأميركي والغربي عموماً ضد الرئيس ترامب ربما كان مفهوماً، فالحرب بين الطرفين بدأت قبل أن يصبح رئيساً، وقد اختارت تلك الوسائل الإعلامية مثل «سي. إن. إن» أو «نيويورك تايمز» وغيرهما التخلّي عن قواعد المهنة وعن تحري الدقة، واعتمدت بشكل يثير الاستغراب «طريقة البروبوغاندا» لمواجهة ترامب وتحديه لدرجة حثت الكثير من الأميركيين للتصويت لها بعشرات الملايين في هذه الانتخابات.
هذا مستغرب دون شكٍ، ولكن الأكثر غرابةً هو أن بعض وسائل الإعلام العربية كانت منحازةً بشكل عجيب لمعسكر «بايدن» وضد ترامب على طول الخط ورصد التفاصيل سهل عند المشاهدين الواعين، ويبقى السؤال المفتوح هو لماذا؟ أليست سياسات ترامب هي الأقرب لمصالح الدول والشعوب العربية؟ أليست سياسات سلفه كانت بالغة الضرر وبالذات في منطقتنا؟ ولماذا تتأثر بعض وسائل الإعلام العربية بالإعلام «اليساري الليبرالي» الغربي، وهو لا يترك شاردةً ولا واردةً للإضرار بالدول العربية وشعوبها إلا سلكها؟ وكيف يمكن للبعض في العالم العربي أن يتأثر بهذا الانحياز الأعمى والمكشوف، ويعتقد أنه الإعلام الذي يجب أن يَقتدي به الإعلام العربي ويحذو حذوه؟
الأسئلة لا تنتهي لأن حجم الغرابة غير مسبوقٍ، والأغرب هو حجم التبريرات التي يقدمها البعض لمثل هذا التقليد الأعمى للإعلام الغربي المنحاز والمعادي، وتلك قصة أخرى وهي دون شك بالغة الأهمية، وتجب قراءتها بتأملٍ وتمعنٍ للفهم أولاً، ثم لمعرفة طريقة التعامل معها وتجنب أخطارها مستقبلاً.
هذا الفوز وما أثير حوله من شكوك سيلقي بظلاله على السنوات الأربع القادمة ما لم يخرج الرئيس ترامب ويعلن قبوله بنتائج الانتخابات، ويهنئ الرئيس الجديد ويعلن فتح صفحة جديدة من تاريخ أميركا والعالم.
في تصرف طبيعي، بدأت دول العالم ترسل التهاني للرئيس بايدن بانتخابه رئيساً لأقوى إمبراطورية عرفها التاريخ، وهو ما سيتزايد في المرحلة القادمة، فحلفاء أميركا حول العالم متحالفون مع الدولة الأميركية، وليس مع شخصٍ أو حزبٍ داخلها، بل والخصوم أيضاً لن يتوانوا عن التهنئة، وبخاصة الدول الكبرى مثل روسيا والصين.
هذه طبيعة المسار السياسي والدبلوماسي التي يتحرك بها العالم، وهي الامتداد الطبيعي للعلاقات الدولية المستقرة، ولكن هذا لا يلغي المسار القانوني داخل أميركا، وهو الذي سيفصل في طبيعة هذا الخلاف التاريخي حول نزاهة الانتخابات الأميركية التي تعتبر من أعرق الديموقراطيات حول العالم، وسيبنى عليه تعامل الشعب الأميركي المنقسم مع ذلك الحكم.
مرحلةٌ حساسةٌ فعلاً تلك التي تمر بها أميركا، ليس بأسبابٍ خارجية أو أعداء متربصين بل بناء على فشل النخب السياسية، في خلق حالة معقولة لرأب الصدع وتوحيد الأمة وتجاوز الخلافات.
أخيراً، فليس من حق أحدٍ أن يملي على أميركا العظيمة، أميركا العلم والحضارة، أميركا التقدم والازدهار ما يجب أو لا يجب أن تصنعه، فالأمم العظيمة تجد دائماً طريقها للتصحيح والاستدراك، وبناء المستقبل وهو ما ستصنعه أميركا ولو بعد حينٍ.