كان دونالد ترامب أكثر شخصية سياسية مثيرة للجدل في تاريخ الرئاسة الأميركية، لذلك ابتدعت الصحافة مصطلح «الترامبية»، ويتوقع بعضها الآن أن يقاتل الرئيس السابق بالقانون ويناكف وهو رئيس حتى يجد صفقةً تمنحه الحماية والحصانة، إرضاءً له كي يسلم السلطة في 20 يناير المقبل!
ويمثل الرئيس جو بايدن النموذج التقليدي، فهو سياسي وقانوني رصين ومؤسَسٌ، وله من الخبرة السياسية ما يمكّنه من التعامل محلياً ودولياً كرئيس للولايات المتحدة الأميركية، وليس بالضرورة أن يسير على نهج الرئيس السابق باراك أوباما، فالدول الكبرى كنظام مؤسسي، عادةً لا تحول سياساتها بسرعة، وأميركا بعد سنوات من الهيمنة الأحادية (قبل صعود الصين واستعادة روسيا مكانتها)، تحتاج إلى القدرة على مواجهة الخصوم.
كان بايدن نائباً للرئيس أوباما، وقد تعهد في حملته الانتخابية بإعادة تقويم العلاقات مع المملكة العربية السعودية، ودعا إلى وضع حد للدعم الأميركي لحرب اليمن.. وهو ما يذكرنا بمقولة الأمير بندر بن سلطان: «اعتدنا أن نسمع هجوماً ضدنا من جميع المرشحين للرئاسة الأميركية، وما أن يصلوا إلى البيت الأبيض حتى يسارعوا بالاتصال والعمل معنا، لأنهم يعرفون مَن نكون»، ولأن ما يقال للشعب مجرد وعود وشعارات، وما يقال للدول «سياسة».
وفيما يتعلق بدول منطقة الخليج العربي، خاصة السعودية والإمارات والبحرين وسلطنة عمان، ومعها مصر، فهي تشكل كتلة ذات ثقل اقتصادي وسياسي كبير، خاصة حين نتحدث عن العلاقات السعودية الأميركية كعلاقات تاريخية قديمة بين دولتين تربطهما مصالح اقتصادية وتجارية كبيرة، والسعودية أكبر دولة مصدِّرة للبترول ولها قدرتها الكبيرة على ضبط أسعار سوق النفط عالمياً، وتشكل مع دول التحالف العربي كتلة إقليميةً وازنةً حيال التنافس الأميركي الصيني. 
ويمكننا أن نعرض بعض ملامح السياسة الخارجية للرئيس بايدن؛ فأميركا لن تخرج من الشرق الأوسط، وهي تتحرك وفقاً لأولوياتها، رغم انخفاض اعتمادها على البترول والغار الطبيعي العربيين وانتهاء الحرب الباردة، وهذا واقعٌ يحكم مواقف الحزبين «الجمهوري» و«الديمقراطي»، وسيتعين على الرئيس بايدن التعامل مع سلسلة من القضايا المعقدة، مثل الحرب في ليبيا، وتدخلات تركيا المتزايدة، والتهديدات ضد القوات الأميركية في العراق. 
وينوي بايدن العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران إذا عادت إلى الامتثال الكامل، وكذلك بشأن الصواريخ البالستية (خاصة بعيدة المدى)، وإذا أرادت واشنطن أن يكون الاتفاق النووي الجديد اتفاقاً مستديماً وذا مصداقية، فعليها التشاور مع دول الخليج العربي، وإشراك السعودية والإمارات في الاتفاق النووي، وفيما يخص الصواريخ البالستية أيضاً. كما ينوي بايدن معالجة موضوع علاقات العراق بإيران، وهو موضوع معقد لوجود فصائل عراقية ذات عقيدة موالية للولي الفقيه.
وستكون ضمن خطوات الرئيس بايدن، إعادة التواصل مع الفلسطينيين وإصلاح ما أفسدته المرحلة السابقة، مثل تجديد المساعدة الأميركية للسلطة الوطنية الفلسطينية، وإعادة فتح البعثة الفلسطينية في واشنطن، والعودة إلى مبدأ «حل الدولتين» كهدف للتفاوض. 
أما فيما يخص حرب اليمن، فسيعمل بايدن على الدفع باتجاه إيجاد حلول وتسويات، لا سيما أن إحلال السلام هناك يمثل مطلباً ملحاً تسعى له دول الخليج العربية ويواجه بتعنتٍ الحوثيون التابعون لإيران.
وفيما يخص جماعة «الإخوان المسلمين»، نلاحظ أنها هنأت الرئيس بايدن عن طريق القائم بأعمال مرشدها في مصر (وهو بالطبع ليس في مصر، لكن بهدف إعطاء الجماعة شرعية كاذبة هناك)، وذلك توهُّماً منهم بأنهم سيعيدون الكرّة قياساً على أيام أوباما وهيلاري كلينتون خلال ما يسمى «الربيع العربي» في الفترة بين عامي 2011 و2013، حين فعلوا ما فعلوا بمصر لصالح القوى الأجنبية، ويبدو أنهم ما يزالون سادرين في غيهم ولم يستوعبوا الدرس، حتى بعد افتضاحهم من خلال نشر رسائل بريدهم الإلكترونية السرية المرسلة لهيلاري!