تحرص دولة الإمارات العربية المتحدة على تطوير نظامها القضائي بشكل مستمر، حتى يواكب التطورات والمستجدات الحاصلة على الصعيدين المحلي والدولي، لما يقوم به القضاء من دور حاسم في كل المجتمعات، من خلال تكريس قيم العدل وإرساء الأمن والاستقرار، وحماية الحقوق والحريات. ولا خلاف على أن الدول المتقدمة هي تلك التي تمتلك أنظمة قضائية عصرية تقوم على مبدأ سيادة القانون، التي تعدّ الركيزة الرئيسية لترسيخ قيم العدالة والمساواة. 
وقد رسّخ دستور دولة الإمارات مكانة متميزة للقضاء ودوره، حيث يتمتع القضاء الإماراتي بالاستقلالية التامة، ولا يسمح الدستور بأي تدخل من أي جهة كانت. ويعمل النظام القضائي في دولة الإمارات، بشكل ثنائي يشمل القضاء الاتحادي برئاسة المحكمة الاتحادية العليا من جهة، والقضاء المحلي على مستوى الحكومات المحلية الأعضاء في الاتحاد، وتشرف وزارة العدل على المستوى الاتحادي على أعمال المحاكم، ودوائر النيابة العامة في جميع أنحاء الدولة، كما تقوم بتعيين القضاة، وترخيص المحامين، والخبراء، والمترجمين القانونيين.
وفي إطار الجهود المتواصلة التي تبذلها دولة الإمارات لتمتين نظامها القضائي وترسيخه، أصدر سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير شؤون الرئاسة، رئيس دائرة القضاء في أبوظبي، قراراً بإنشاء محكمة متخصصة للنظر في جرائم غسل الأموال والتهرب الضريبي، وذلك في إطار تنفيذ الأولوية الاستراتيجية لدائرة القضاء المتمثلة في تعزيز فاعلية وكفاءة التقاضي، وضمان منظومة العدالة الجنائية، وصولاً إلى قضاء عادل وناجز.
ومما لا شك فيه أن إنشاء محكمة جرائم غسل الأموال والتهرب الضريبي، يعزز جهود دولة الإمارات الفاعلة لمواجهة تلك الجرائم وضمان ملاحقة مرتكبيها وتقديمهم إلى العدالة، كما يقول المستشار يوسف سعيد العبري، وكيل دائرة القضاء في أبوظبي، عبر اتخاذ العديد من الخطوات والإجراءات بالتنسيق والتكامل مع مختلف الجهات المعنية، في ظل منظومة تشريعية وقضائية متطورة تواكب جميع المستجدات والتطورات، ما يسهم في تعزيز المكانة التنافسية للدولة على المستويين الإقليمي والعالمي، كما أن هذه الخطوة تجسد حرص دائرة القضاء في أبوظبي، على دعم التوجه نحو التخصّص في العمل القضائي لرفع مستوى الأداء وتحقيق الريادة والتميز.
وفي الواقع، فإن هذه القفزات النوعية المتتالية التي يشهدها نظامنا القضائي في إطار المحاولات المتواصلة لتطويره، إنما يندرج في سياق برنامج زمني محدد أعدته وزارة العدل، واستراتيجية طويلة الأمد، هدفها جعل محاكم الدولة في نهاية الخطة الاستراتيجية للدولة في عام 2021 من أفضل المحاكم القضائية في العالم، من حيث التنظيم الداخلي، وسرعة الفصل في المنازعات القضائية على اختلاف أنواعها ودرجاتها، تحقيقاً لرؤية قيادتنا الرشيدة وانسجاماً مع استراتيجية الحكومة الاتحادية.
وتنطوي خطوة إنشاء محكمة متخصّصة للنظر في جرائم غسل الأموال والتهرب الضريبي، على أهمية إضافية، فضلاً عن كونها حلقة جديدة في مسيرة تطوير نظامنا القضائي، فجرائم غسل الأموال والتهرب الضريبي باتت تحظى باهتمام كبير من قبل دول العالم كافة، بالنظر إلى ما تنطوي عليه من مخاطر شديدة. وقد بذلت دولة الإمارات جهوداً كبيرة لمكافحة هذه الجرائم، وعملت على تطوير الإطار القانوني لمعاقبة مرتكبيها. وكان من بين هذه الجهود صدور القانون الاتحادي رقم 7 لسنة 2017 بشأن الإجراءات الضريبية، وصدور المرسوم بقانون اتحادي رقم 20 لسنة 2018 في شأن مواجهة جرائم غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة. وتأتي خطوة إنشاء محكمة متخصّصة للنظر في جرائم غسل الأموال والتهرب الضريبي لتكون نقلة نوعية في هذه الجهود، وفي الوقت نفسه دفعة قوية لتطوير نظام القضاء المتخصّص، من أجل تعزيز جودة الأداء، وتحقيق هدف مهم للغاية يتمثل في تسريع وتيرة البتّ في القضايا.

* عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاسترتيجية.