عام 2020 هو عام فيروس كورونا بامتياز، فلا حديث طوال هذا العام من بدايته إلى نهايته يتجاوز حضور وتأثير وقوة هذا الفيروس الخطير القاتل، ومن أجمل الأخبار أنه لم ينته بعد، وها هي الدول وشركات الأدوية تعلن عن لقاحاتٍ مبشرةٍ لمواجهته والوقاية منه مستقبلاً.
غيّرت كورونا العالم والبشر وأثرت في الاقتصاد والدول، وغيّرت حياة الشعوب والأمم، لقد انقلبت الحياة بالفعل بسبب هذه الجائحة التي فرضت شروطها على الجميع دون تفرقةٍ بين قوي وضعيف أو غني وفقير، وعلى الرغم من كل المآسي التي جرت خلال عامٍ من فقد الأحباب وخسارة الأقارب، وفراق الأقربين فإن الإنسان انتصر في النهاية، كما جرى على مدى تاريخ البشرية على هذا الكوكب.
ما فرضه كورونا على العالم هو أنه جعل من أكبر تحديات المستقبل البشري تحدي مواجهة الفيروسات ودراستها، والتخصص الدقيق في كافة فروعها وأنواعها والاستثمار الضخم في كافة تفاصيل هذا العلم حتى لا تتعرض البشرية مرةً أخرى لتعطيل كل سبل الحياة، وضرب اقتصادات الدول وتسجيل خسائر مذهلة وغير مسبوقة على المستوى الدولي، فاستباق الخطر خير من ملاحقته بعدما يقع.
مشكلة البشر مع الفيروسات مشكلة مزمنة، والحرب سجال، فكلما خرج فيروس سعى البشر لاكتشافه ومحاربته بالعلم والمعرفة، وما أن ينتصر البشر حتى تطوّر الفيروسات نفسها وتخرج بفروعٍ غير معروفة مسبقاً لتستمر المواجهة بلا نهاية، ما يعني أن الرهان على العلم هو رهان البشرية الناجح دائماً في معركة بلا توقف أو استراحة.
من يستعرض تاريخ البشر في كل الأمم والشعوب يجد أخبار الفيروسات تملأ جنباته بالمآسي والمصائب، فالأوبئة والطواعين على اختلاف أسمائها وأنواعها حاضرة في كل مكانٍ، وهي عندما تتفشى تقضي على أعداد مهولة من البشر، فتفني عوائل كاملة، وتقضي على مدنٍ كبرى وقرى بأكملها، ويكفي القارئ أن يتصفح أي كتاب تاريخ قريبٍ منه لأي أمةٍ من الأمم، ليجد الشواهد والأحداث مسجلة بالتواريخ والأرقام.
التأثير الأهم لنجاح هذه التطعيمات ضد كورونا سيكون بالتأكيد على المستوى الصحي بحيث يستطيع البشر استعادة شيء من حياتهم الطبيعية دون خوفٍ على حياتهم ودون وجلٍ على أحبابهم المقربين، والأثر الثاني الذي لا يقل أهمية هو انتعاش الاقتصاد العالمي بعد كل الركود الذي سببه كورونا ما يعني استعادة جزء بالغ الأهمية من شروط استمرار البشر على هذه الأرض واستمرار تطور العلوم والمعارف وتراكم التجارب والخبرات.
لقد فضح هذا الفيروس الخطير كثيراً من الخرافات عند جميع البشر، واكتشف كثيرون كم أن المؤدلجين الذين يعبثون بالأديان هم مجرد نصّابين محتالين يسعون خلف أموال الناس بمثل هذه الحيل الرديئة، فهم لا يشفون مريضاً ولا يحاربون فيروساً، بل احترافهم الوحيد هو الخداع والكذب.
المجد للعلماء حقاً، رهبان العلم العاكفون على كتبهم وتخصصاتهم والمتبتلون في محاريب مختبراتهم وجامعتهم بحثاً عن بلسمٍ لكل جرحٍ ودواء لكل داءٍ، المخلصون الذين قدّم الآلاف منهم حياتهم سعياً لحماية بقية البشر من شرور الفيروسات الفتاكة المهلكة.
فضح كورونا أيضاً دعاة الكراهية من كل دينٍ وطائفةٍ ومذهبٍ، بحيث هدأ كثيرٌ منهم عن الدعاء المجمل ضد خصومهم وبدأوا بالدعاء أن يوفقهم الله لاكتشاف علاجاتٍ ناجعةٍ تعيدهم إلى أتباعهم ليعبئوهم مجدداً ضد العلم والعلماء، وهذه مفارقة مستمرةٌ لدى المتطرفين المتشددين الذين تنفضح أيديولوجياتهم عند أول خوفٍ من فيروس أو مرضٍ ليتهافتوا على من لهم راحةً من ألمٍ ودواءً لمرض وبلسماً لجرحٍ.
أخيراً، فهذه سنة استثنائية في حياة البشر، غريبة عليهم في هذا القرن المتقدم، ولكن الأمل باقٍ ما بقي الإنسان.