لا يختلف اثنان في دولة الإمارات العربية المتحدة على الأهمية الاستراتيجية لملف «التوطين» وآثاره الإيجابية على استقرار وأمن المواطن. ولا ريب أن قيادة الدولة منذ فجر التأسيس في 1971 تعمل بقوة على توفير بيئة التعليم الأكاديمي والمهني والتدريب التخصصي بجانب الدعم الحكومي، المتمثل في السياسات والقرارات وإنشاء الجهات الاتحادية والمحلية الخاصة بالإشراف على برامج التوطين، من أجل تسهيل حصول المواطن على الوظيفة المناسبة. وفي المقابل، فإن هناك العديد من قطاعات العمل، الحكومية وشبه الحكومية والخاصة، التي شهدت التحاق الآلاف من المواطنين لشغل الوظائف فيها من خلال سياسة الإحلال الوظيفي التي تركز على استقطاب المواطن بديلاً عن الوافد في تلك الوظيفة. 
ولكن من المعلوم أيضاً أنه ليست كافة الوظائف في سوق العمل قابلة للتوطين لاعتبارات عديدة، من أبرزها الاجتماعية والمهنية. فمن الناحية الاجتماعية، هناك بعض الوظائف التي لا يوافق المواطن على شغلها لعدم تقبل المجتمع لها، كما أن هناك بعض شرائح المواطنين التي لا ترغب في العمل خارج المدينة التي يعيشون فيها. ومن الناحية المهنية، ليست كافة الوظائف، وخاصة في القطاع الخاص، ذات مردود مالي مناسب للمواطن بما يساعده على نفقات الحياة، بجانب طول ساعات العمل، مقارنة بالقطاع الحكومي. أضف إلى ذلك، أن تنوع الوظائف الشاغرة في كافة قطاعات سوق العمل لا يقابلها مخرجات تعليمية مناسبة، في حين أن غالبية الوافدين الذين يأتون للدولة بحثاً عن فرص عمل، يحملون شتى أنواع الشهادات الأكاديمية والخبرات المهنية المناسبة لاحتياجات سوق العمل. وبالتالي فإن صاحب العمل لديه حرية الاختيار بين مئات الوافدين المتقدمين لوظيفة واحدة، مقابل عدد لا يتجاوز أصابع اليدين من المواطنين. 

ومؤخراً، أضافت آثار جائحة كورونا أعباء ثقيلة ليس على سوق العمل لدولة الإمارات العربية المتحدة فقط، بل على أسواق العمل في كافة الدول، والتي تأثرت بشدة بتوقف العديد من القطاعات التجارية عن العمل، وبالتالي تأثرت أيضاً الأعمال، وخاصة الصغيرة والمتوسطة، والمرتبطة بتلك القطاعات، الأمر الذي أدى إلى إغلاق تلك الأعمال وتسريح الملايين عن العمل في مختلف دول العالم. وهذا الوضع يبدو في ظاهره سلبياً، ولكن من الممكن النظر إليه بإيجابية في سوق العمل المحلي. فمن ناحية، أفرزت الجائحة الحاجة لعدد من الوظائف في قطاعي الخدمات الصحية والبنية التحتية التكنولوجية، التي قامت عليها جميع خدمات استمرارية الأعمال أثناء انتشار الفيروس. وبالتالي فإنه من الضروري وضع خطة لإعداد وتأهيل المواطنين في هذين القطاعين، استعداداً لمواجهة أي جائحة أخرى في المستقبل. ومن ناحية أخرى، ومع وجود العشرات من الوظائف الشاغرة نتيجة الجائحة، فإن الفرصة متاحة أمام وزارة الموارد البشرية والتوطين لإنشاء قاعدة معلومات شاملة عن قطاعات العمل الخاص التي تأثرت بالجائحة والوظائف المتوفرة فيها وتسهيل إلحاق المواطنين الباحثين عن عمل بها. 

ولعل ما ذكرناه سابقاً عن التغيرات الجذرية لدى ثقافة البحث عن وظيفة عند العديد من المواطنين سيكون لها تأثير على قبولهم بالوظائف الشاغرة حالياً. فهناك الرغبة القوية لدى شريحة كبيرة من المواطنين بالعمل في مهن لم تكن مرغوبة قبل سنوات قليلة في مجالات جديدة، سواء في الخدمات الصحية أو قطاع الخدمات أو تجارة التجزئة. وبلا ريب، فإن هذا التطور يعكس مدى حاجة العديد من المواطنين لدخول مختلف قطاعات سوق العمل، بجانب الرغبة في العمل في الوظيفة التي تتوفر أمامهم، لتوفير مصدر دخل ثابت يساعدهم على نفقات الحياة. ولذلك فإن الوقت الحالي هو أنسب الأوقات لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للتوطين.