من النظريات التي تحاول تفسير منشأ فيروس كورونا الحالي، تلك القائلة بأن مصدره هو تناول الخفافيش البرية. وإنْ صحت هذه النظرية، فتأتي بعد سنوات وعقود، من تحذير العلماء من مخاطر استهلاك لحوم الأدغال أو لحوم الحيوانات البرية. وذلك بناء على حقيقة أن الأمراض حيوانية المنشأ، شكلت أخطر أوبئة الأمراض المعدية بين البشر في الذاكرة الحديثة.
ولكن رغم تواتر التحذيرات من هذه الظاهرة، واحتلالها لمساحات في وسائل الإعلام، إلا أن ذلك لم يترك أثراً يذكر على السلوك البشري في العديد من المجتمعات والدول، مما نتج عنه تبعات وخيمة، ظاهرة للعيان في الوباء الحالي. هذا السيناريو يخشى الكثيرون أن يتكرر، مع زيادة مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية، نتيجة الإفراط وسوء الاستخدام الحاليين.
هذه القضية هي محور الأسبوع العالمي للتوعية بالمضادات الحيوية (World Antibiotics Week)، والذي ستبدأ فعالياته يوم الثامن عشر من الشهر الجاري. حيث ستركز هذه الفعاليات على الخطر الداهم الذي يحيق بالبشرية، من جراء ظاهرة البكتيريا السوبر، أي البكتيريا التي أصبحت مقاومة لعدد من المضادات الحيوية، بحيث أصبحت لا تجدي نفعاً في علاجها. فعلى حسب تقرير صدر عن منظمة الصحة العالمية في 2017، أصبحت لا توجد خيارات كثيرة حالياً أمام المرضى الذين يصابون بنوع من أنواع البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، وخصوصاً الأنواع الخطيرة منها، مثل ميكروب السل فائق المقاومة، والذي يقتل حالياً نحو 250 ألف شخص سنوياً.
ورغم توالي التحذيرات من هذه الظاهرة، لدرجة إعلان منظمة الصحة العالمية عام 1993 أن ميكروب السل المقاوم للعقاقير أصبح طارئاً صحياً عالمياً، لم تحتل بعد قضية مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية عموماً، مكانة متقدمة أو أولوية طارئة في الوعي الصحي العام، مما ينذر بتكرار سيناريو كورونا الحالي. 
فما لا يدركه الكثيرون أن قبل فجر عصر المضادات الحيوية في العقد السادس من القرن الماضي، كانت العدوى البكتيرية، المسببة لأمراض نطلق عليها حالياً صفة البسيطة أو سهلة العلاج، تحصد سنوياً حياة الملايين من البشر. فالمضادات الحيوية تعتبر حالياً من أقوى الأسلحة المتوفرة في معركة الجنس البشري الأبدية مع البكتيريا والجراثيم، ولكن للأسف، من دون إدراك ووعي كافيين من العامة بخطورة تزايد ظاهرة مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية، بسبب فرط وسوء الاستخدام، يتجه إنسان العصر الحديث بخطى متسارعة نحو كارثة بيولوجية أخرى، قد تكون أكثر وقعاً وفداحةً من الوباء الحالي.