عندما أُعلنت الدولة الاتحادية في الثاني من ديسمبر 1971 لم تكن المرافق الصحية على المستوى المحلي للإمارات المكونة لها في حالة يعتد بها، وكان معظمها عبارة عن عيادات خارجية بسيطة تتعامل مع الحالات التي ترد إليها على مستويات أقل مما هو مطلوب.
أما بالنسبة للمستشفيات، فقد كانت تعد على أصابع اليد الواحدة وتتواجد في المدن الرئيسية لكل إمارة من الإمارات الكبرى الثلاث أبوظبي ودبي والشارقة.
لذلك فقد كان المطلوب من الحكومة الاتحادية الناشئة الشيء الكثير لكي تقوم به على صعيد الصحة العامة، وواجهت تحديات ومطالب فورية لا حصر لها، خاصة مع توافد أمواج من البشر الذين سيشاركون في تنفيذ عجلة التنمية الشاملة المستدامة التي كان يتم الإعداد والتخطيط لها على قدم وساق في شتى أرجاء الوطن؛ ومع الغياب الكلي تقريباً للخدمات المقدمة من القطاع الصحي الخاص.
في تلك المراحل المبكرة لم يتواجد من قبل تركيز مثل الذي حدث على كيفية التأسيس القويم لمثل تلك الخدمات ومن ثم إدارتها وتمكينها من تقديم الخدمات الصحية المطلوبة للمواطنين وللوافدين الجدد على قدم المساواة.
جزئياً، كان السبب في صعوبات التأسيس يعود إلى أن الموجود من المرافق الصحية القائمة يصل إلى مرحلة الصفر إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الطموحات والتطلعات كانت عالية جداً، وإلى أن الإمكانيات المالية التي تم توفيرها كبيرة وتحتاج إلى إدارة مواطنة كفوءة وقادرة على إدارتها، وإلى أن العدد المتزايد منها والتعقيدات المصاحبة لمشاريع الخدمات الصحية تحتاج إلى الخبرة الفنية التي لم تكن متواجدة.
وعليه العديد من تلك الخبرات تم استقطابها من جميع أنحاء العالم ما أدى إلى صقل وتغيير وتشكيل بيئة الخدمات المقدمة في المراحل اللاحقة وطبيعة الإدارة ذاتها التي استفادت من الخبرة العالمية في هذه المجالات.
وهذا يعني في الوقت نفسه أنه مع وجود التحديات الجديدة أتت إلى البلاد فرص جديدة، لكي تجعل دولة الإمارات من مؤسساتها الصحية تعمل بمسؤولية وقدرة وكفاءة، لأن المسألة تتعلق بصحة البشر وسلامتهم، وعلى مستويات عالية من الإنجاز.
ومع وجود التحديات والفرص التي تواجه الدولة الاتحادية في بداية تأسيسها، لم يعد الحدس والتخمين أدوات مناسبة، لكي تقود المسيرة، فالمسألة ليست بتلك البساطة إن إدارة الخدمات الصحية ليست مجرد تواجد مبرمج في فراغ، بل هي مسألة حساسة تتعلق بصحة المواطنين والمقيمين، وهي التزام وهيئات منظمة من المعرفة التي يجب أن تتواجد في يد جميع البشر المسؤولين عن إدارة الصحة العامة في الدولة الاتحادية.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المعرفة العلمية بإدارة الخدمات الصحية هي إسهام رئيسي في مخزون الإمارات الوطني الثقافي على الصعيد الصحي وإدارة الخدمات الصحية، التي تفتح أبواباً واسعة أمام الاستثمار الخاص في الخدمات الصحية والسياحة الصحية.
وفي سياق تدرك الدولة الاتحادية جيداً أن المسألة الصحية شأن وطني يجب الاهتمام به والاعتناء به وتطويره بشكل مستمر حتى يواكب آخر المستجدات الصحية على الصعيد العالمي.
لذلك فقد تم تعريف ثلاثة عناصر على أنها ضرورية لتنظيم الخدمات الصحية وإدارتها هي السلوك التنظيمي الذي يوفر المبادئ التنظيرية لإدارة الخدمات الصحية؛ وتطوير الخدمات الصحية بحد ذاتها؛ وأخيراً الدمج التطبيقي الذي يشكل حجر الأساس للخدمات الصحية الخاصة المستقبلية كمجال للاستثمار والسياحة الصحية.
وهنا لا بد وأن أشير إلى أن هذا النمط من التفكير يشكل نظرة ثاقبة نحو المستقبل، لأن الخدمات الصحية بالذات تزداد أهمية في دولة ومجتمع يطمحان دوماً إلى كل ما هو أفضل، وإلى أنه يوجد سبب منطقي للاهتمام بما يشكل فراغات بين التنظير والتطبيق في مجتمع كان يعتمد لمدة طويلة على مصدر دخل واحد ويريد الآن تنويع مصادر دخله على كافة الأصعدة لكي يحافظ على جميع ما حققه حتى الآن من إنجازات ومنها المجال الصحي.
*كاتب إماراتي