التنمر آفة عالمية شديدة الخطورة يمكن أن توجد في أي مكان يتفاعل فيه البشر مع بعضهم بعضاً، وهذه الظاهرة لها أسبابها العديدة، ومنها الجهل والتعصب وعدم احترام الرأي الآخر وخصوصيته، سواء أكانت هذه الخصوصية نابعة من عوامل عرقية أو دينية أو مذهبية أو غيرها، وتنتشر تلك الآفة بشكلٍ لافت للنظر بين طلاب المدارس في الكثير من الدول والمجتمعات، وهي تؤثر بشكل سلبي كبير في مسار نمو الطفل وبناء شخصيته وصحته العقلية ومستوى تحصيله الدراسي، وغير ذلك. 
وقد أدركت دولة الإمارات مدى خطورة هذه الظاهرة على أفراد المجتمع، وخاصة فئتي الأطفال واليافعين، حيث أطلقت بتوجيهات القيادة الرشيدة مجموعة من المبادرات وحملات التوعية، وقامت بوضع التشريعات والقوانين اللازمة للحد منها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، المادة (21) من قانون العقوبات الاتحادي رقم (5) لسنة 2012 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، التي تنص على أنه يعاقَب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وغرامة لا تقل عن 150 ألف درهم، ولا تتجاوز 500 ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استخدم شبكة معلوماتية، أو نظام معلومات إلكترونياً، أو إحدى وسائل تقنية المعلومات، في الاعتداء على خصوصية شخص في غير الأحوال المصرح بها قانوناً، بطرق منها التقاط صور الغير أو إعداد صور إلكترونية أو نقلها أو كشفها أو نسخها أو الاحتفاظ بها، ونشر أخبار أو صور إلكترونية أو صور فوتوغرافية أو مشاهد أو تعليقات أو بيانات أو معلومات، ولو كانت صحيحة وحقيقية. 
وفي إطار تواصل جهود الدولة في مكافحة ظاهرة التنمر، جاءت الدورة الرابعة لحملة «الأسبوع الوطني للوقاية من التنمر في البيئة المدرسية»، التي أطلقتها وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع المجلس الأعلى للأمومة والطفولة و28 مؤسسة اتحادية ومحلية. وهدفت هذه الدورة التي تم اختتام فعالياتها، أمس السبت، إلى التصدي لظواهر التنمر الإلكتروني بين طلبة المدارس في مختلف المراحل التعليمية وتأهيلهم للتعامل مع التنمر الإلكتروني وطرق الوقاية منه وتوضيح العلاقة بين «كوفيد - 19» والتنمر الإلكتروني وتوضيح دور العاملين في المؤسسات التعليمية في قيادة برامج الوقاية من التنمر، من أجل توفير بيئة تعليمية مثالية لهم خالية من أي ظواهر سلبية. وقد عقدت في إطار فعاليات الدورة الرابعة 54 ورشة افتراضية لـ64 من مختلف المؤسسات التعليمية في الدولة. وحققت نجاحاً مميزاً في ظل الرعاية الكريمة لها من قبل سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية «أم الإمارات»، التي أكدت سموها في تصريح لها، دعم القيادة الرشيدة لكل الجهود والمبادرات الاجتماعية لحماية حقوق الطفل، وتعزيز البرامج التي تطور من شخصيته وتكوينه النفسي والعاطفي والاجتماعي، حيث قالت سموها: «إن تضافر جهود مؤسسات الدولة الاتحادية والمحلية والمجتمع المدني للتصدي لظاهرة التنمر والتوعية بها تترجم مسعى القيادة الرشيدة في أن تكون مصلحة الطفل في الدولة فوق كل اعتبار، حمايةً لحقوقه وتعزيزاً لرفاهيته وسلامة نموه»، مؤكدةً سموها «أن حماية الطفل من التنمر حق أصيل لتنشئته على النحو الأمثل وصون كرامته وتنمية مهاراته العقلية والمعرفية والبدنية وتعزيز قدراته واهتماماته، خاصةً في هذه المرحلة العمرية التي تتشكل بها شخصيته باعتباره ركيزة لمستقبل هذا الوطن».
وفي الوقت الذي تقوم فيه مؤسسات الدولة المعنية ببذل جهود كبيرة ومتواصلة للقضاء على ظاهرة التنمر المدرسي، فإن هذه الجهود لا بد أن تكون مدعومة بقوة من قبل المجتمع ومؤسساته المختلفة، وخاصة الأسرة التي هي الحاضنة الأولى للفرد منذ نشأته، والتي يجب أن تقوم بدور كبير في توجيهه وإكسابه القيم السلوكية الإيجابية التي تمكّنه من أن يكون عضواً فاعلاً في المجتمع. 
إن دولة الإمارات بتضافر مؤسساتها وخططها الاستراتيجية الوطنية وجهود مؤسسات المجتمع المختلفة، قادرة على الحد من ظاهرة التنمر والقضاء عليها، من خلال نشر الأفكار والممارسات الإيجابية الكفيلة بمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة بكل أشكالها، وهو ما يسهم بشكل حيوي وفاعل في جعل البيئة المدرسية بيئة خلاقة وجاذبة للطلبة والمتعلمين.

* عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.