صدر مؤخراً تقرير لـ«منتدى دافوس» عن مستقبل العمل في السنوات الخمس القادمة في ظل تأثيرات جائحة «كوفيد-19» وما أدت إليه من ركود عالمي ومن حالة عدم يقين بالنسبة لسوق العمل. ومن المؤكد أن الوباء ساهم في تسريع حلول المستقبلات المتوقعة والتي كانت في السابق مجرد تقديرات حول إحلال تدريجي لأعمال ومؤسسات وأنظمة اقتصادية واجتماعية محل أخرى قائمة، وذلك بسبب صعود الثورة الصناعية الرابعة. ويستخدم التقرير مزيجاً من الاستشراف والتحليل، إضافة إلى آراء قادة الأعمال، وخاصة في مجال رأس المال البشري، كما يقدم معلومات عن عشرات القطاعات الصناعية والاقتصادية.
وتتسارع عمليات استخدام تكنولوجيا المعرفة، مثل الحوسبة السحابية، والبيانات الضخمة، والتجارة الإلكترونية.. وهي بالطبع تقنيات بدأت تعمل منذ سنوات، لكنها أخذت في الأشهر الماضية اتجاهات سريعة وعميقة. وكذلك عمليات التشفير والروبتة والذكاء الاصطناعي.
ويبدو واضحاً أن الشركات والأسواق تتجه إلى الاستغناء عن العمل البشري، وهي قاعدة أكيدة في العمل والأسواق، إذ تعمل التكنولوجيا باتجاه استخدام الآلات بدلاً من الإنسان كلَّما أمكن ذلك، وفي الوقت نفسه فإنها تنشئ أعمالاً ووظائف جديدة لم تكن موجودة من قبل، لكنها أعمال تتطلب معارف ومهارات جديدة يجب الإسراع بإدخالها في أنظمة التدريب والتعليم. لكن يميل التقرير إلى أن الوظائف الملغاة ستكون أكثر من الوظائف الجديدة، وذلك بخلاف تقديرات الأمم المتحدة والبنك الدولي. 
ويقدّر التقرير أنه بحلول عام 2025 سوف يكون حوالي 85 مليون شخص ممن يعملون اليوم قد فقدوا أعمالهم بسبب حول الآلات محل البشر، لكن سوف تظهر 97 مليون وظيفة جديدة مستمدة من الاستخدامات والتكيفات الجديدة مع التكنولوجيا. 
وإلى ذلك سوف تنشأ فجوة واسعة بين مهارات العمل المتاحة والمهارات المطلوبة. ومن مهارات وقيم العمل التي سوف ينشأ عليها الطلب: التفكير النقدي والتحليل وحلّ المشكلات، والإدارة الذاتية، والتعلم المستمر والنشط، والمرونة وتحمل إجهاد وضغط في العمل، ويتوقع أن حوالي 40% من العاملين سوف يجري تزويدهم بمؤهلات ومهارات جديدة بمعدل ستة أشهر كفترات زمنية للتدريب واكتساب المهارات الجديدة. 
لقد جرى بالفعل تأهيل واسع وشامل لأصحاب العمل من أجل الرقمنة والعمل عن بُعد أو من خلال الشبكة، وسوف تزيد كثيراً عمليات التوظيف من بعد، وبالطبع فإنها عمليات مصحوبة بمخاوف ومحاذير قانونية واجتماعية، خاصة فيما يتعلق بحقوق العمل والضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، والخصوصية، وكذلك اتجاهات العلاقات الاجتماعية والانتماء والمشاركة، والتواصل الاجتماعي والمهني بين العاملين والفاعلين الاجتماعيين، علاوة على نمو واتساع عدم المساواة بين الناس. 
وتتزايد البطالة بشكل واضح ومخيف، وكذلك البحث عن فرص للعمل والتعليم عبر الإنترنت بمبادرات ذاتية، وقد تضاعفت في الفترة الأخيرة عمليات التسجيل في فصول ودورات تعليمية وتدريبية من خلال الإنترنت، وتركز الاتجاهات في ذلك على تعلم المهارات الرقمية، مثل تحليل البيانات، وعلوم الكمبيوتر وتكنولوجيا المعلومات، وتطوير المهارات. 
وتعترف اليومَ معظمُ الشركات بضرورات التدريب للعاملين فيها وأهمية رأس المال البشري، وكان ينظر إليها من قبل كأعباء مالية أقرب إلى الضريبة أو المسؤولية الاجتماعية، لكنها تتحول اليوم إلى استثمار يزيد قيمة الأعمال وموارد الشركات، لكنها عمليات مكلفة بالفعل وتحتاج إلى فترة زمنية أطول من الحاجة إلى التطوير ومواجهة الركود الذي يضرب الأعمال والأسواق. ويتوقع التقرير أنه بحلول عام 2025 سوف يكون 70٪ من العاملين في الأسواق والشركات يملكون المهارات والقدرات الجديدة اللازمة، ما يعني بالضرورة أن فترة زمنية طويلة سوف تمر قبل استيعاب الصدمات والتحولات، كما أن 30٪ من العاملين سوف يحرمون من منافع الأعمال والمعارف والأسواق الجديدة والناشئة.

*كاتب أردني