«التأخون» هو الانتساب لجماعة «الإخوان». «التأخون» ليس قصراً على الأفراد، بل يمكن للجماعات والتيارات والتنظيمات أن «تتأخون» وتنتسب للإخوان، ويصح هذا في الدول، فقد «تتأخون» الدولة بعدة أشكالٍ.
الدولة المتأخونة هي دولة تخلت عن كل تراثها وثقافتها ودينها وطائفتها في سبيل امتثالٍ تامٍ لهذه الجماعة وتماهٍ مع خطابها وأيديولوجيتها، وقد جرى هذا كثيراً، ففي الأفراد هذا ظاهرٌ وشائعٌ، وهي جماعة تبشيرية منذ انطلاقتها تدعو الجميع للالتحاق بها وتنفيذ أهدافها وخدمة غاياتها، وكل أتباعها قد أصبحوا «إخواناً» بعد أن لم يكونوا، فقد «تأخونوا» بسبب الدعوة المكثفة ومكر الليل والنهار، ثم تفانوا في ذلك.
أما الدولة الحديثة، فقد كانت أبيةً على «الإخوان» وجماعتهم ودولتهم المزعومة، بل لقد أجبروا كل الأنظمة التي عملوا داخلها على رفضهم وحظرهم وملاحقتهم بقوة القانون وسلطة القضاء، لأنهم بكل بساطة مخرّبون دمويّون يعادون الاستقرار وينشدون الفوضى وينشرون الإرهاب، وقد رفضتهم الدولة المصرية في العهد الملكي وفي عهد عبدالناصر، ورفضتهم العديد من الجمهوريات العربية، وصنفتهم الملكيات جماعة إرهابيةً خالصةً، وليس في ذلك شيء من دعايات «الإخوان» التي يزعمون فيها أن هذه الدول المسلمة تُعادي الإسلام وتحاربه ولكنه أمرٌ لازمٌ لأي دولة تنشد الأمن والاستقرار والرخاء لشعبها، فوجود الدولة ووجود الجماعة ضدّان لا يجتمعان.
النموذج الأمثل في إيضاح هذا السياق، هو نموذج الدولة التركية الأردوغانية، فقد انسلخت هذه الدولة من هويتها وثقافتها، ورمت كل ذلك خلفها والتحقت بجماعة «الإخوان» كتابعٍ صغيرٍ ينفذ ما تريد الجماعة، ويتبعها في مهالك المجهول وأخطار عدم الاستقرار، وإنْ كان أردوغان يعتقد أنه إنما يستعملها في تحقيق أهدافه السياسية.
أردوغان أسيرٌ يختنق بخطاب هذه الجماعة، بحيث ضخّموا لديه فكرة أنه يمكن أن يكون هو الخليفة القادم للمسلمين، وعلى الرغم من حجم السذاجة في فكرة كهذه، فإن الإنسان يمكن أن يتعلم الغباء عندما يداعب أحلامه وأوهامه الدفينة، وأردوغان مسكون بفكرة أنه سيستعيد السلطنة العثمانية، ويصبح سلطاناً لها أو خليفةً، ويكفي أي متابع أن يبحث في صور القصر الذي ابتناه في أنقرة، وينظر في صور البروتوكول الذي يطبقه أردوغان هناك، ليجد صوراً مضحكةً لبعض «الكومبارس» يلبسون ملابس لجنود أتراكٍ في مراحل مختلفة من تاريخ تلك السلطنة الاستعمارية المجرمة.
مظاهر التأخون في الدولة التركية لا تحصى، فهي تدخل في كل شيء تقريباً والمنتمون لهذه الجماعة يملأون المدن التركية ويستثمرون فيها ويجدون فيها الملجأ والحماية، وإن أضر ذلك بالمصالح التركية، وهم يشترون بورصتها، ويتحدثون باسمها، ويأكلون خيراتها، ويجعلونها منطلقاً لكل الإرهاب الذي ينشرونه في المنطقة والعالم، وفي هذا إهانة غير مسبوقة للدولة والشعب هناك.
معروفٌ أن قيادات «الإخوان» من أكثر البشر حمقاً في السياسة، والشواهد كثيرةٌ وشاملةٌ، وهو طبعٌ يمكن اكتسابه، والناظر في سياسات أردوغان ومغامراته غير المحسوبة ونتائجها وفشلها، وما أدت له من فشل اقتصادي ظاهرٍ، يكتشف أن اكتساب خبرة «الإخوان» مضرٌ بالدول المتأخونة ويوصلها إلى وهادٍ لم تكتشفها من قبل.
تركيا هنا مجرد نموذج للدول المتأخونة، الدول التي فقدت هويتها وثقافتها وشعبها، واستوردت عناصر «الإخوان» وسلمتهم قيادتها ومناصبها وميزانياتها ومؤسساتها، وأصبحت أداةً صغيرةً في يد الجماعة تحركها كيف تشاء، وتنهب ثرواتها، ولا تستطيع القيادات إيقافها لأن بعضها اكتسب خبرة «الإخوان» السياسية.
أخيراً، فيمكن للقارئ المتابع أن يعدد بعض الدول العربية أو الإسلامية التي تصلح أن تكون نماذج تؤكد هذا السياق وتبرهن عليه، وتكشف جوانب منه لا يكشفها النموذج أعلاه.