يتمتع رئيس الحكومة العراقية مصطفى كاظمي، بصدقية شخصية من قبل معظم حكومات الدول العربية الشقيقة والمجتمع الدولي ومؤسسات التمويل، بما يوفر له عوامل النجاح في مهمة حكومته الإنقاذية. إلا أن وقائع سلبية تفرمل اندفاع الخارج نحو اعتبار العراق دولة على طريق التعافي من أمراض مستمرة، تعوق توافقه السياسي ونهوضه الاقتصادي والاجتماعي. وهي تكمن في تداعيات السلاح المتفلت وانتشار الميليشيات المذهبية، مما يمثل أجواء مضطربة و«طاردة» للاستثمار، مع أن المسؤولين قد أعلنوا مرات عدة أن «العراق مفتوح للمستثمرين»، مع خططه المرتقبة لتطوير القطاع الخاص وتخفيف الاعتماد على النفط. حتى إن الهيئة لوطنية للاستثمار أعلنت 212 مشروعاً خصصتها للمستثمرين المحليين والدوليين، وتتوفر لها «الحماية القانونية»، وهي تشمل الزراعة والصناعة والنفط ومحطات الطاقة والمطارات وسكك الحديد والقطارات والطرق، إضافة إلى التخطيط لإقامة أربع مناطق اقتصادية حرة خلال السنوات العشر المقبلة.
لقد واجه العراق، ولا يزال أخطاراً على مستوى الأمن والمؤسسات، هي الأعلى بين كل الدول السيادية، وكنتيجة طبيعية لتدهور وضعه المالي، تراجع تصنيفه الائتماني إلى درجة «سلبية»، مما افقده ثقة الممولين الدوليين. وتواجه حكومة كاظمي حالياً ما يشبه «الكارثة المالية» نتيجة تراكم عجز الموازنة، مع تراجع أسعار النفط وتداعيات انتشار وباء «كورونا». وهي تتطلع في خططها المستقبلية إلى استعادة دور العراق الرائد في العالم العربي، واستثمار رصيده في إنقاذ اقتصاده المتدهور وتمويل إعادة الإعمار. وذلك انطلاقاً من أن «الاستقرار الإقليمي» هو ضمانة كبرى لنجاح الاستثمار في المشاريع العربية المشتركة بمختلف أنواعها وأهدافها.
وعلى الرغم من أن العراق ثاني أكبر دولة منتجة للنفط في منظمة أوبك، يمتلك إمكانيات واسعة لجذب المستثمرين الأجانب، فإنه يحتل حالياً المرتبة الـ 172 من بين 190 دولة في مؤشر البنك الدولي السنوي لسهولة ممارسة الأعمال، وهذا التصنيف يعكس مدى صعوبة دخول سوقه الاستثماري، ويبدو أن قبوله برقابة صندوق النقد الدولي يمكن أن يعزز ثقة الشركات العالمية به، لاسيما بعد حصوله على أول تصنيف ائتماني، رغم أنه عالي المخاطر، بسبب تردي الوضع الأمني وانتشار الفساد. 
لكن كل هذه التطورات لم تمنع المملكة العربية السعودية من الدخول في استثمارات كبيرة، وتوقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع العراق، تؤكد أهمية توسيع التعاون بما يخدم مصالح البلدين والشعبين، لاسيما السياسية منها والأمنية والتجارية والاستثمارية. وأبرز العراق للجانب السعودي حقيبة استثمارات تضم 6 آلاف مشروع بقيمة 100 مليار دولار. ويبقى اللافت في هذا المجال أن التركيز في البيانات المشتركة كان على تنفيذ المملكة لتعهداتها في مؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق الذي عقد في فبراير 2018، حيث بلغ إجمالي التعهدات والمنح العربية نحو 7.5 مليار دولار بين قروض واستثمارات وتمويل صادرات، منها 5 مليارات من 4 دول خليجية، إضافة إلى 1.5 مليار دولار من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي. وهذا المبلغ يغطي جزءاً يسيراً من تكلفة خطة إعادة الإعمار الهادفة إلى تحقيق التنمية المستدامة، والوصول إلى عراق آمن ومستقر. 

*كاتب لبناني متخصص في القضايا الاقتصادية