تراهن إيران على عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي في ظل إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن، استناداً إلى التصريحات العديدة التي كان قد أطلقها إبان حملته الانتخابية، وانتقد خلالها انسحاب إدارة الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق، وتعهد بالعودة إليه وتخفيف العقوبات المفروضة عليها. ربما تبني إيران موقفها هذا من منطلق أن بايدن كان من مؤيدي هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه في عهد إدارة أوباما عام 2015، لكنها بالتأكيد تخطئ في حساباتها وتقديراتها، ليس فقط لأنها فشلت في الحصول على ثقة المجتمع الدولي خلال السنوات الماضية، وإنما أيضاً نتيجة لسلوكها الذي يثير القلق دائماً بسبب عدم التزامها بالاتفاق النووي من ناحية، وتبنيها لسياسات عدائية تقف وراء حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي تشهدها العديد من دول المنطقة من ناحية ثانية. 
سلوك إيران غير المسؤول، لا شك، سيكون المحدد الرئيسي في كيفية تعامل إدارة بايدن معها خلال الفترة المقبلة، فليس من المتصور أن يعيد إحياء سياسات أوباما أو يتخلى عن نهج ترامب في التعامل معها بشكل كلي، والمرجح أنه سيتبنى سياسة مزدوجة تجمع بينهما؛ لتناسب التطورات الجديدة التي حدثت خلال الأعوام القليلة الماضية، خاصة بعدما تبين للجميع أن إيران كانت تنظر إلى هذا الاتفاق باعتباره «شيكاً على بياض»، لتنفيذ مشروعها التوسعي في المنطقة، وأهدرت العديد من الفرص التي كان يمكن أن تظهرها كطرف فاعل في دعم جهود تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
المؤكد أن الرئيس المنتخب جو بايدن سيتعامل مع إيران ببراجماتية، ولن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء مجدداً، وسيبني سياساته المحتملة تجاهها استناداً إلى ممارساتها المختلفة طيلة السنوات القليلة الماضية، وهذا ما جسدته بوضوح الرسالة التي بعثها لإيران قبل أيام عبر صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، وأكد خلالها استعداده للعودة إلى الاتفاق النووي وفق عدة شروط، تتضمن تفكيك برنامجها للصواريخ الباليستية، وفرض المزيد من القيود عليها في هذا السياق، وتمديد فترة القيود على أنشطتها لإنتاج المواد الانشطاريّة التي قد تستخدم لصنع السلاح النووي، وتخليها عن كل أشكال الدعم، السياسي والعسكري، والمالي، لأذرعها وميليشياتها العسكرية في دول المنطقة، وإشراك بعض دول المنطقة في المفاوضات المحتملة معها، خاصة السعودية والإمارات، بشأن برنامجها النووي. 
هذه الشروط يمكن اعتبارها تصحيحاً لأخطاء أوباما في التعامل مع إيران، ليس فقط لأنها تأخذ في الاعتبار مخاوف دول المنطقة من ممارساتها المزعزعة للأمن والاستقرار الإقليمي، سواء فيما يتعلق ببرنامجها للصواريخ الباليستية، أو في دعمها للعديد من الميليشيات المسلحة والطائفية، وإنما أيضاً لأنها تضع المزيد من القيود التي من شأنها تحجيم قدراتها في تصنيع السلاح النووي، خاصة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار أن الاتفاق النووي بصيغته الحالية كان سينهي القيود المفروضة على إيران بعد مرور عشر سنوات عليه، أي في العام 2025، ومن ثم يتيح لها الفرصة مجدداً لاستئناف تصنيع السلاح النووي، بينما تسعى إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن إلى تصحيح هذا الخطأ من خلال فرض المزيد من القيود وإطالة المدة الزمنية للاتفاق النووي إلى أكثر من عشر سنوات، وبما يسهم في تحجيم قدرات إيران النووية بصورة كبيرة، والحيلولة بينها وبين تصنيع السلاح النووي. 
إن رهان إيران على عودة جو بايدن الرئيس المنتخب للاتفاق النووي بصيغته الحالية هو رهان خاسر بكل تأكيد، وخاصة بالنظر إلى عدة اعتبارات، أولها أن العديد من أعضاء إدارة بايدن يرون ضرورة مواصلة نهج ترامب في ممارسة الضغوط القصوى ضد إيران لإجبارها على قبول الشروط التي وضعها للعودة إلى الاتفاق النووي. وثانيها التوجه الأوروبي الجديد نحو تعديل الاتفاق النووي بصيغته القديمة، ليأخذ في الاعتبار سياسات إيران في المنطقة ومساعيها لتطوير منظومتها من الصواريخ الباليستية. وثالثها التقييمات الحديثة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكان آخرها في شهر أكتوبر الماضي، والتي تؤكد استمرار إيران في مواصلة انتهاك الاتفاق النووي، سواء في مواصلة تخزين كميات كبيرة من اليورانيوم منخفض التخصيب، أو في السعي نحو بناء محطة نووية لتجميع أجهزة الطرد المركزي تحت الأرض.
في ظل هذه التطورات والمعطيات الجديدة، فإن المرجح أن الرئيس المنتخب جو بايدن سيتبنى نهجاً مختلفاً في التعامل مع إيران، يجمع بين نهج الحوار والدبلوماسية الذي تبناه أوباما وبين سياسة الضغوط القصوى التي طبقتها إدارة ترامب، من أجل ممارسة المزيد من الضغوط عليها كي تقبل بتعديل الاتفاق النووي، وتضمينه جوانب القلق التي تثير مخاوف دول المنطقة من ناحية، وتعديل سلوكها والتوقف عن سياساتها العدائية من ناحية ثانية.
*إعلامي وكاتب إماراتي