يصادف 18 ديسمبر من كل عام اليوم العالمي للغة العربية، تكريماً لهذه اللغة التي يتحدث بها أكثر من 400 مليون عربي، كما أن أكثر من 1.9 مليار مسلم يتلون القرآن الكريم باللغة العربية. دولة الإمارات بها العديد من مراكز اللغة العربية، الرامية إلى الارتقاء بشأن اللغة، مثل «هيئة أبوظبي للغة العربية» و«مجمع اللغة العربية» في الشارقة، ومبادرة «بالعربي» التي تتبناها مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة. وبالرغم من كل تلك المؤسسات الراقية في أسباب نشأتها وفعالياتها، تعاني اللغة العربية في مجتمع دولة الإمارات، وآن لنا كأهل اختصاص أن نضع الإصبع على موطن الجرح، لمنع أي خلل بهوية مجتمعنا العربي.
واحتراماً للتخصص، فإنني لن أقف على الإشكالات المجتمعية التي تواجهها اللغة العربية تحت ضغط متطلبات سوق العمل، بيد أنني في هذه المساحة لديّ وقفات تربوية لأسباب العجمة التي نعاني منها.
لغة التفكير، جملة ترن في مسمعي كلما تذكرت زيارتي العلمية لليابان، فقد سألت أحد مديري المناهج في ذلك البلد الذي أذهل العالم عن سر تمسكهم باللغة اليابانية كلغة تدريس في مدارسهم وجامعاتهم؟ فقال لي: ما تعريف اللغة لديكم؟
قلت في عجالة: هي أداة تواصل. قال: هنا يكمن الخطأ، فاللغة في حقيقتها أداة تفكير، فإن تمت برمجة العقل الياباني بلغة غير لغته أصبح نسخة سيئة من حضارة أخرى. ولن نتمكن من أن نزاحم العلم أهله، إن سر قوة الأمم يتلخص في أن تفكر بلغتها! 
لغة الأحلام، عبارة سمعتها ممن علمني اللغة الإنجليزية في بداية ابتعاثي للولايات المتحدة الأميركية، فقد سألته: متى سأتمكن من اللغة الإنجليزية؟ قال لي: عندما تكون أحلامك بالإنجليزية. وقد استغربت من الإجابة، لكن تبين لي وجاهتها بعد ذلك، ففي الأحلام يعمل لدينا العقل اللاواعي، وتنشط اللغة المهيمنة على تفكيرنا.
«كبسة» أو «مجبوس» وجبة شعبية مشهورة، لكن ما علاقتها باللغة العربية؟ في إحدى الدورات التي قدمتها للمسؤولين عن بناء المناهج في بعض دول الخليج، بدأت اللقاء بقصة، ملخصها: إننا ذهبنا للغداء في مطعم وطلبنا «كبسة». 
من الجوع تناولنا المقبلات الموجودة على الطاولة، وهي قطع صغيرة من الدجاج، وبعض المكسرات والزبيب والشوربة الرائعة، وأخيراً جاء لنا برز أبيض أكلناه ثم رجع بالفاتورة، قلنا له: أين «الكبسة»؟ قال: كل مكونات الكبسة موجودة في المعدة لديكم. هذه هي طريقة تدريس اللغة العربية التي ينبغي ألا نراها في مدارسنا، حيث يتم تعليم الأطفال الفعل والفاعل والمفعول به والمفعول لأجله والمفعول المطلق وغير ذلك، ثم نقول لهم كل مكونات اللغة في ذاكرتكم، فهل هذا أسلوب مقبول لتعليم اللغة اليوم؟ لقد رفضنا في المطعم دفع فاتورة «الكبسة» لأنها لم تكن كذلك، فلماذا نقبل بتعليم اللغة بهذا الشكل الذي يعطينا المكونات، لكن لا يسمح لنا بالتلذذ بها، ما سبق من مقدمات نشأ عنه جيل يفكر ويحلم ويتغنى باللغة الأجنبية، فكيف سيتمكن من اللغة العربية؟
*أكاديمي إماراتي