نفد صبر الإدارة الأميركية، وبدا واضحاً أن دونالد ترامب راغباً في تفعيل مقرعة العقوبات ضد نظام أردوغان، قبل أن يغادر البيت الأبيض، وهذا ما جرت به المقادير قبل بضعة أيام. هل كان الرئيس التركي يظن أن يد العم سام مغلولة إلى عنقه وغير قادر على اتخاذ القرار المؤلم لتركيا؟
رهانات أردوغان خاسرة دائماً وأبداً، والعد التنازلي لتساقط جميع أوراقه قد انطلق، وما من قوة قادرة على إرجاع عجلة الزمن إلى الوراء.
ولعل تطبيق قانون «كاتسا»، الذي يتم التعامل به مع أعداء الولايات المتحدة على تركيا حدث جلل. فهذه هي المرة الأولى التي تستخدم واشنطن تلك الأداة المدوية على دولة عضو في «الناتو»، وهذا ما ظهر في تصريحات وزير الدفاع التركي «خلوصي أكار»، والذى اعتبر أن تلك العقوبات الأميركية قد هزت جميع مبادئ التحالف مع الولايات المتحدة.
أردوغان رجل يعيش في الماضي، يحاول استدعاء ظلاله ليتدثر بها، لكن الظلال لا تقي برد تركيا القارس، ويبدو أنه لا يستوعب دروس التاريخ. من يدعي «إعادة الخلافة» بات يُلقم الناس الشاي حين اشتكوا إليه من قلة المعروض من الخبز وسط اسطنبول. ويبدو أنه غير مُهيأ لفهم التحولات الجيوبوليتيكية العالمية من جهة، ولا مستوعب للتطورات الاستراتيجية والعسكرية التي يمكنها أن تخرج تركيا من سياقات أهميتها التي حازتها في خمسينيات القرن الماضي.
الأهمية اللوجستية لتركيا - والعالم على مشارف العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين- لا تعادل أو توازن ما كان لها في زمن الحرب الباردة، لا سيما وأن تفاهمات بينية تجري بين واشنطن وموسكو، تسحب البساط من تحت أقدام أنقره سياسياً.
لم تعد قاعدة «إنجرليك» تمثل رأس الحربة التقليدي في مواجهة الستار الحديدي كما كان الحال في خمسينيات وستينيات وحتى سبعينيات القرن المنصرم، فقد نشر «الناتو» والولايات المتحدة على نحو خاص قواعدهم في أرجاء كثيرة من المنطقة، ناهيك وربما هذا هو الأهم أن العالم أضحى في زمن الصواريخ «الهايبرسونيك»، أي تلك الأسرع من الصوت بعشر مرات أحياناً وعشرين أحياناً أخرى، ما يجعل أي قواعد على أرض تركيا فعلاً من الماضي تتضاءل قيمته يوماً تلو الآخر.
إشكالية تركيا في الوقت الحاضر أنها تواجه غضباً أميركياً عارماً في الأسابيع الخمسة الأخيرة المتبقية من إدارة ترامب. وعلى مشارف إدارة بايدن، الرجل الذي لا يحمل وداً لأردوغان، بل يناصره العداء الظاهر سياسياً وثقافياً. أما من الناحية السياسية، فليس سراً أن بايدن يرى ضرورة ما لدعم محاولة تقويم ما قد إعوج في أنقرة من خلال إدارة عقلانية تعيد تركيا إلى مساراتها ومساقاتها المعتدلة.
ثورة بايدن على أردوغان ثقافياً وفكرياً، تؤكد أن اللعب على المتناقضات لا يفيد، وقد كان ولا يزال من المستحيل أن يحصل أردوغان على فخر الصناعات الجوية الأميركية «اف -35»، من جهة، وعلى صواريخ «إس – 400» الروسية، من جهة ثانية. وحين تهوي واشنطن بمقرعتها على رأس نظام أردوغان، وذلك بعد عقوبات أوروبية مماثلة، يتساءل المرء ثم ماذا؟ أردوغان كالغريق، لا يخشى البلل، وبذلك تصبح ردة الفعل عند الشارع التركي، والذي تعرض للعسف والخسف، وهو وحده صاحب قرار بقاء أردوغان أو رحيله.
*كاتب مصري