عشر سنواتٍ سوداء مرت على بعض الجمهوريات العربية التي طاف بها من فتنة «الربيع العربي» طائف نَزق، نشر الدمار والخراب، وبث الرعب والإرهاب، كان لاستقرار الفوضى داعياً وبانتهاك الحقوق ساعياً، وقامت سوق الأصوليين والتكفيريين بدعم كامل من الغربيين، والتقى الحليفان على قدرٍ ضد كل ما هو عربيٍ، وجروا في ركابهم بعض المخدوعين من ساسة ومثقفين وأدباء وكتاب كانوا يرفعون على رؤوسهم علامة القابلية للخديعة.
في الذكرى العاشرة لتلك الأحداث الدامية وبعد عقدٍ من الزمن كان مليئاً بالمكابرة ورفض الاعتراف وممانعة الاعتذار، أصبحت الغالبية في العالم كله، لا العالم العربي وحده، تعرف جيداً وتكتب وتتحدث عن أنه لم يكن ربيعاً بأي معيارٍ للعقل وأي مقياسٍ للسياسة، وأصبحت المقالات تُدبّج والتقارير تنشر والتغطيات تتفشى، ولكن بعدما ذهبت الآلاف المؤلفة من الشعوب العربية أمواتاً وأمثالها مصابين، وتزيد عليها مهجرين وهاربين، ولم ينج سوى المجرمين المتربصين الذين لم تطلهم يد العدالة، وإنْ كانت عدالة التاريخ لا تنسى وسجل المنافقين لا يمحى.
تزاحم الجميع على تمجيد ذلك الربيع المشؤوم في حينه، وقامت سوق نفاق كبرى بين بعض النخب وبعض الجماهير وصاروا يزيدون بعضهم غياً، ونشرت مقالات كاذبة ورؤى مضللة، وانتشرت شريحة «مطايا الإخوان» من المطبلين للأصولية والممجدين لحق جماعات الإسلام السياسي في الحكم، ولحقها في فرض الديكتاتورية باسم الأغلبية ولإعادة نموذج الخميني في كل البلدان العربية تحت وهم الديموقراطية وشعارات اليسار الجوفاء، واتضح أن الوعي عزيزٌ لا يمتلكه إلا مخلص للعلم خليٌ من نوازع المصالح الشخصية والعلاقات بدوائر اليسار الغربي المدمرة، وهكذا كان.
للحقيقة وللتاريخ، لو خليت لخربت، فقد كانت في العالم العربي ثلةٌ من المثقفين والكتاب انتبهت مبكراً للخطورة الكبرى التي مثلتها تلك المرحلة المظلمة من التاريخ العربي المعاصر، وعبرت عن مواقفها وأفكارها ورؤاها علناً في صحفٍ منشورةٍ وقنواتٍ مشهورة، وأودعت التاريخ ثمرات أفكارها وخلاصات رؤاها بتواريخ معروفة وأرقام مثبتة، ومع مسير التاريخ أصبح ينقش تلك الرؤى المبكرة على صخور التاريخ الصلدة التي لا تتغير، بل التي تزداد ثباتاً وتأكيداً وصحةً عاماً بعد عامٍ، وفي نهاية عقد كالح من الزمن العربي الحزين تبدو كأنها جواهر ولآلئٌ تشع حكمة واستشرافاً. 
المستقبل يزخر بلحظاتٍ تاريخية معقدةٍ ومتشابكة، وتحتاج لمن ينظر من خلال سجف الغيب بعين العلم والحكمة والوعي، كما يحتاج من يملكونها لشجاعة التعبير عن آرائهم والثبات على مواقفهم الصحيحة، ومن الجيد يعلموا أن لذلك ثمناً من تاريخهم وأسمائهم وسيجري لهم ما جرى لتلك الثلة إبان ما كان يعرف بطلاناً وزوراً بالربيع العربي، بحيث سيهاجم وعيهم، ويقلّل من علمهم، ويتهمون في نياتهم وأنهم مجرد طامعين في مالٍ أو منصبٍ أو تزلفٍ لحاكمٍ، تماماً كما جرى في لحظة الربيع العربي المشؤوم.
أخيراً، فقد نشر معالي الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية قبل يومين تغريدتين تمثلان استمراراً لطرحه منذ سنواتٍ، يقول قرقاش: «بينما تمر على العالم العربي الذكرى العاشرة لما يعرف بالربيع العربي، من الواضح أن الرؤية العربية الغالبة لمآلات العقد الدموي تختلف عن التقييم الغربي، فالحروب الأهلية والأرواح التي أزهقت خلال سنوات الضياع هذه وغياب المشروع التنموي هو ما ارتسم في ذاكرتنا العربية»، وأضاف: «سيُكتب الكثير حول ما يعرف بالربيع العربي وفي تقديري، فإن الأهم هو تقييمنا العربي لهذا العقد الصعب وإخفاقاته على أرض الواقع للشعوب. وسيكون حكم التاريخ عسيراً وبالغ القسوة من حيث خسائرنا البشرية والمعنوية والمادية والاقتتال الدموي الممتد في أكثر من دولة عربية».