يواجه العالم اليوم كوارث عديدة تُضاف إلى كارثة الجوع الذي زاد بسبب انتشار وباء كورونا. وعليه فمن واجب الحكومات إيجاد حلول لأولئك الذين ليس بإمكانهم توفير احتياجاتهم من الطعام، والتنبّه كثيراً للتحذير الذي أطلقه المدير الإقليمي لبرنامج الأغذية العالمي في أميركا اللاتينية والكاريبي ميغيل باريتو (مع الجوع، لا يمكن أن يكون لدينا سلام). وهو وإنْ قصد بعبارته تلك أميركا اللاتينية التي تفاقم انعدام الأمن الغذائي بسبب كورونا والكوارث الطبيعية، إلا أن الأمر ينسحب على بقية المناطق الفقيرة في العالم، مما يسهم حتماً في رفع نسب العنف والجريمة والهجرة والاحتجاجات.
في المقابل تتسابق الدول والشركات على إنتاج عدة أنواع من اللقاحات للقضاء على الفيروس، ووضع حد لتأثيراته الخطيرة. فهو لا يزال يحصد الأرواح، ويضع القطاعات الصحية والطواقم الطبية أمام تحديات كبرى، ويؤثر على اقتصاد الدول وغذائها، إلى درجة أن بعضها استسلمت فعلاً، وبعضها الآخر على وشك ذلك، ولم تسلم من آثار هذا الوباء بالتالي إلا الدول التي كانت قد حصّنت اقتصادها وأمنها الغذائي.
من منّا كان يفكر يوماً أن فيروساً سيهدد الأمن الصحي والغذائي والاقتصادي حتى في الدول العظمى، أو يصدق حتى أن دولة مثل بريطانيا ستتعرض لتلك الأزمة فتضطر منظمة الأمم المتحدة للأطفال (اليونيسيف) لتقديم الطعام والمساعدات المالية خلال عطلة عيد الميلاد لعشرات آلاف الأسر في جنوب لندن، وأن عشرات ملايين الأميركيين يهددهم الجوع أكثر من أي وقت مضى، وهم الذين يعتمدون أصلاً على بنوك الطعام لتوفير القليل مما يحتاجون، وأن دولة مثل ألمانيا ترفع سقف التنبيه من الآثار العميقة لكورونا وكأنها تطلق النفير العام، ثم ما بالنا عن توحش الفيروس في الدول الفقيرة قاطبة في ظل نقص أو غياب المتطلبات الأساسية من مستلزمات طبية وصحية ومواد غذائية.
صحيح أن الدول المتقدمة تكنولوجياً تسعى جاهدة لتوفير اللقاحات لمحاصرة هذا الوباء، لكن ماذا لو أن تلك اللقاحات – إن ثبتت فعاليتها - لم تؤدِّ إلى النتائج المطلوبة أو المتوقعة؟ وماذا لو وجد العالم ذاته مُحاصراً من جديد ليعلن مرة ثانية حالة الطوارئ، وهو ما بدأنا نشهده هذه الأيام في عدد من الدول. 
إن القيود المفروضة على العمل والتجارة والحركة بين الدول حتى اليوم شديدة، وهي من دون شك تثير مخاوف لدى كثيرين، وخصوصاً فيما يتعلق بالأمن الغذائي، فبسبب هذا الوباء اهتزت التجارة الداخلية والخارجية، وأُغلقت بعض الموانئ وفُرضت قيود على تصدير سلع غذائية أساسية من دول عدة، وهو ما دفع هيئة الغذاء التابعة للأمم المتحدة للتحذير من خطورة انعكاس ذلك على نقصٍ الغذاء حول العالم، لا سيما وأن دولاً مصدّرة لمواد غذائية أساسية كالقمح والدقيق والأرز علّقت عقود تصدير تلك المواد أو قيّدت حجم صادراتها، لتعيد تلك المسألة الكابوس الذي حلّ بالعالم عقب إعلان الأزمة المالية العالمية عام 2008. وآنذاك أعلنت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة عن زيادة بنسبة 45% في الرقم القياسي العالمي لأسعار الغذاء، فارتفع سعر القمح بنسبة 130%، وارتفع سعر فول الصويا بنسبة 87%، وسعر الأرز ارتفع بنسبة 74%، وسعر الذرة ارتفع بنسبة 31%، وهو ما لم يحتمله الفقراء فزادت نسبة الجوعى في العالم بدرجة مثيرة.
الصورة العامة للعالم تبدو قاتمة مع استثناءات قليلة هنا وهناك، ومن بينها الإمارات. فأبوظبي استعدت جيداً لمواجهة مثل هذه الأزمات، مُركزةً على عدة استراتيجيات أساسية تتمثل بزيادة السعة التخزينية، والاستثمار في الأراضي الزراعية بالخارج، والاستثمار في التقنيات الزراعية الحديثة، والسعي لإيجاد حلول لتقليل الاستيراد عبر تعزيز الإنتاج المحلي لمختلف أنواع الغذاء، وتخصيص حزمة حوافز تشجيعية لدعم الاستثمار في المشاريع الزراعية والحيوانية في مساحات برية وبحرية واسعة لضمان تنمية زراعية وغذائية مستدامة.