لا شك أن أزمة جائحة كورونا، وما ارتبط من إغلاق للاقتصاد والحدود بين الدول وفرض قيود على الحركة نتيجة الإجراءات الاحترازية والوقائية لمنع انتشار الوباء شكلت، ولا تزال، التحدي الأصعب الذي يواجه العالم أجمع، ليس فقط لأنها أجبرت العديد من دول العالم على وقف أو إرجاء مشروعاتها الكبرى، وإنما أيضاً لأنها أظهرت غياب إرادة التعاون الدولي في مواجهة هذه النوعية من الأزمات، وبدت معها العديد من الدول المتقدمة عاجزة عن التعامل مع تداعياتها المختلفة، الصحية والاقتصادية والاجتماعية. وإذا كان 2020 يمثل بالنسبة للغالبية العظمى من دول العالم العام الأصعب الذي واجهت فيه أزمة معقدة أربكت حساباتها وعطلت خططها التنموية، فإنه كان عاماً استثنائياً لدولة الإمارات، استطاعت خلاله أن تظهر قدراتها في التعامل مع هذه النوعية من الأزمات بكفاءة واحترافية عالية، ومواصلة مسيرة الإنجازات الكبرى التي تعزز من نهضتها الشاملة في المجالات كافة. 
أول هذه الإنجازات هي الإدارة الفاعلة لأزمة جائحة كورونا والعمل على احتواء تداعياتها وتخفيف آثارها على أفراد المجتمع، مواطنين ومقيمين، من خلال حزمة من الإجراءات الاحترازية والوقائية التي وازنت بين الحفاظ على سلامة المجتمع وصحته العامة من ناحية، وبين استمرار الأنشطة الاقتصادية من ناحية ثانية، ولعل من المؤشرات الإيجابية في هذا السياق أن الإمارات كانت أول دولة في العالم يتجاوز فيها عدد فحوص «كورونا» العدد الإجمالي للسكان، كما أنها من الدول القليلة في العالم أيضاً التي أعلنت عن استراتيجية واضحة المعالم لإدارة وحوكمة مرحلة التعافي من أزمة جائحة كوفيد-19، كي تواكب الأولويات الوطنية لمرحلة ما بعد الجائحة. 
ثاني هذه الإنجازات يتعلق بتنفيذ المشروعات الكبرى والعملاقة في موعدها المحدد لها، كإطلاق «مسبار الأمل» في يوليو الماضي، وافتتاح وتشغيل المحطة الأولى من محطات براكة الأربعة للطاقة النووية السلمية في أغسطس الماضي، لتنضم الإمارات بذلك إلى نادي الطاقة النووية السلمية والذي يضم حوالي ثلاثاً وثلاثين دولة حول العالم. وتكمن أهمية هذه المشروعات الكبرى في كونها ترسخ مكانة الإمارات على خريطة الدول المتقدمة، لأنها تندرج ضمن المجالات الدقيقة التي تتطلب منظومة متطورة من التعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا المتقدمة والكوادر البشرية المؤهلة فيها. أما ثالث الإنجازات التي حققتها الإمارات في عام كورونا، فتتمثل في نجاحها في تعزيز موقعها في مختلف المؤشرات الدولية التي تقيس مستوى التطور والنمو في المجالات كافة، يكفي الإشارة هنا إلى أنها جاءت ضمن أفضل عشر دول تنافسية في العالم خلال العام 2020، كما دخلت نادي العشرة الكبار في 314 مؤشراً، كما تبوأت المركز الأول عربياً في 479 مؤشراً، وهذا في حد ذاته يعد شهادة دولية دامغة على نجاح السياسات العامة التي تتبناها الإمارات، والتي جعلت منها نموذجاً يحتذى في التنمية الشاملة والمستدامة، والتي تستثمر في البشر باعتبارهم الثروة الحقيقية للوطن، وتركز على اقتصاد المعرفة الذي يقوم على القطاعات الدقيقة كالطاقة المتجددة والفضاء والذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة. 
رابع هذه الإنجازات يتعلق بدورها المحوري في صناعة السلام في المنطقة وتعزيز أسس الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي، فلا شك أن معاهدة السلام التي أبرمتها الإمارات مع إسرائيل في شهر سبتمبر الماضي، كانت مبادرة جريئة في توقيتها ومضمونها وشجعت العديد من الدول العربية على الانضمام إلى قطار السلام مع إسرائيل، وأحدثت اختراقاً في ملف عملية السلام المجمدة منذ سنوات. كما واصلت الإمارات دعمها لكافة المبادرات والجهود الهادفة إلى تسوية الأزمات والصراعات التي تشهدها العديد من الدول، وخاصة في ليبيا واليمن وسوريا، من منطلق إدراكها بأن استمرار هذه الأزمات يشكل استنزافاً لقدرات دول المنطقة وتهديداً لحق شعوبها في الأمن والتنمية والاستقرار. في الوقت ذاته عززت الإمارات من دبلوماسيتها الإنسانية ولم تتخل عن رسالتها الحضارية في تقديم المساعدات للعديد من الدول لمواجهة جائحة كورونا، لتثبت بالفعل أنها عاصمة العالم الإنسانية التي تتجه إليها الأنظار في أوقات الأزمات والكوارث. 
وإضافة إلى ما سبق، فإن جائحة كورونا لم تثن الإمارات عن التفكير في المستقبل، فقد تصادف أن يكون عام كورونا هو عام الاستعداد للخمسين الذي تتهيأ فيه للاحتفال باليوبيل الذهبي لتأسيسها في العام المقبل2021، وهو العام أيضاً الذي تستعد فيه للخمسين عاماً المقبلة، فأطلقت خلاله مجموعة من الخطط والاستراتيجيات الطموحة التي تستهدف الانتقال بالإمارات إلى مرحلة جديدة، تكون فيها واحدة من أفضل دول العالم، وأكثرها تقدماً، بحلول الذكرى المئوية لقيامها في العام 2071.
*إعلامي وكاتب إماراتي