مع اقتراب نهاية العام، وجدتُني أفكر في ما تغير من آرائي خلال الإثني عشر شهراً الماضية. وفي ما يلي واحد منها: فأنا لم أعد أرى أن بريكست فكرة سيئة. والواقع أنني ما زلت غير مستعد لتأييدها، لأنني لا أشعر بالارتياح إزاء القومية والشعبوية المحيطين بجزء كبير من حركة «الانسحاب»، ولكنني لم أعد أتمنى لو أن نتيجة الاستفتاء جاءت مغايرة.
والأكيد أنني ما زالت أؤمن بالحجج المؤيدة لـ«البقاء» التي سُقتها وآخرين كثيرين قبل أربع سنوات. وحتى قبل عامين، كنت سؤحاجج بأن المملكة المتحدة ستكون أفضل حالا كجزء من الاتحاد الأوروبي، لكل الأسباب المعروفة جداً المؤيدة للتجارة وللهجرة وللتعاون. لكن المشكلة هي أن الاتحاد الأوروبي، وخاصة في العام الماضي، أصبح اتحاداً سياسياً أقل قابلية للتسيير، وخاصةً بالنسبة للملكة المتحدة.
وقد ساعد «كوفيد-19» على توضيح فكرتي. فمع أن الوباء يمثّل مشكلة دولية بالطبع، إلا أن العديد من الردود الأكثر فعالية كانت على المستوى الوطني. ومن الجدير بالذكر هنا أن المملكة المتحدة وافقت على توزيع لقاح «فايزر-بايونتِك» قبل الاتحاد الأوروبي، ولفائدة الشعب البريطاني. عملية الموافقة الوطنية تلك كانت منسجمة تماماً مع قانون الاتحاد الأوروبي، رغم أن الاتحاد يسعى وراء صلاحيات تقنينية أكبر من أي وقت مضى، واحتكار تنظيمي مع مرور الوقت. غير أنه حينما تصبح الاستجابات الطارئة والسريعة أكثر وضوحاً، تَضعف الحجج المؤيدة للبقاء في الاتحاد الأوروبي.
الموضوع الثاني يتعلق بالسياسة المالية. فعجز ميزانية الاتحاد الأوروبي المتوقع يمكن أن يصل إلى 9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بسبب الوباء بشكل رئيسي. هذا العجز حتمي إلى حد كبير، كما أن المملكة المتحدة تسجل عجزاً مماثلا. غير أن إصلاح منطقة اليورو من خلال عجز ميزانية بذلك الحجم سيمتص قدراً كبيراً من طاقات الاتحاد الأوروبي في السنوات المقبلة. ثم ماذا لو كان من الضروري التنازل عن الكثير من ديون إيطاليا من أجل الحفاظ على تماسك منطقة اليورو؟ وهل بإمكان المرء تصور نقاش أكثر فوضى وإثارة للجدل من هذا؟
الأكيد أن هذا ليس «خطأ» أي أحد. فالعملة الموحدة لا يمكنها أن تنجح بدون نوع من القوانين المالية من أجل الحفاظ على سلامة الاتحاد النقدي. غير أنه يمكن القول إن الاتحاد الأوروبي سيصبح مهووساً بمسائل بعيدة نسبياً عن بواعث القلق البريطانية خلال المستقبل المنظور. وسيصبح تركيز الاتحاد الأوروبي، من وجهة نظر المملكة المتحدة، غير ذا صلة على نحو متزايد. فإذا انضممت إلى ناد للعب الورق ووجدت أن الجميع هناك يتجادلون حول الشطرنج، فإنك قد تبدأ في التساؤل حاول ما إن كان انتباهك مركزاً في الاتجاه الصحيح.
ثم هناك صعود النزعة المناوئة لليبرالية في المجر، وفي بولندا بدرجة أقل، والتي ربما تُعد أكبر مشكلة بالنسبة للاتحاد الأوروبي في الوقت الراهن. فالاتحاد الأوروبي يسعى لقطع المساعدات عن هاتين الدولتين بسبب إضعافهما لقضاءيهما المستقلين، وبالمقابل، يهدد هذان البلدان باستخدام الفيتو ضد ميزانية الاتحاد البالغة 2.2 تريليون دولار وحزمة الإغاثة، التي تحتاج لدعم بالإجماع. ورداً على ذلك، يبحث الاتحاد الأوروبي حالياً إمكانية اعتماد تلك الحزمة خارج إجراءاته العادية.
والأرجح أن يُتوصل إلى توافق في نهاية المطاف. لكن على المرء أن يتساءل حول كم من الوقت يستطيع اتحاد أوروبي يعمل بشكل جيد التسامح مع دولة غير ديمقراطية؟ صحيح أن الاتحاد الأوروبي لا يبدو على وشك طرد المجر (وأحد الأسباب أن ألمانيا لن ترحّب بمثل هذه الخطوة، بالنظر إلى مصالحها الكبيرة في أوروبا الشرقية)، غير أن التحديات بالنسبة لنموذج الاتحاد الأوروبي التي باتت تطرحها دولٌ مثل المجر أشد بكثير مما كانت عليه في 2016، حينما أُجري استفتاء بريكست.
ثم إنه حتى في حال نجح الاتحاد الأوروبي في التعامل مع المجر بقدر أكبر من الحزم والصرامة –وآمل أن يفعل– فإنها ليست بالضرورة نتيجة جيدة بالنسبة للملكة المتحدة. ذلك أن هذه السياسة ستقتضي إضعاف شرط الإجماع الضروري في الاتحاد الأوروبي بخصوص العديد من القرارات، وهو شيء يفترض أن تشعر المملكة المتحدة إزاءه بعدم الارتياح. ثم إنه إذا أمكن التعامل مع المجر بحزم وصرامة، فكذلك يمكن التعامل مع المملكة المتحدة أيضاً.
النقطة الأخيرة تتمثل في أن جنوب إنجلترا أخذ يصعد إلى الواجهة مؤخراً باعتباره مركزاً عالمياً للتكنولوجيا، وخاصة في الذكاء الاصطناعي وبحوث الطب الحيوي. ولا شك أن هذا خبر سار بالنسبة للمملكة المتحدة، لكن كيف ينسجم ذلك مع سعي الاتحاد الأوروبي الطويل وراء قوانين أكثر صرامة بخصوص شركات التكنولوجيا، ومعايير خصوصية مرتفعة للمنصات والتطبيقات، وتنظيمات أكثر صرامة بخصوص خوارزميات الذكاء الاصطناعي؟
الواقع أن أميركيين كثيرين، وخاصة المحافظين، يقللون من قيمة الاتحاد الأوروبي. والحال أن الاتحاد ساعد في الحفاظ على السلام والاستقرار والتجارة الحرة نسبياً ولعقود. لكن أحداث العام الماضي دفعتني لإعادة التفكير بشأن فوائده. وما زالتُ لا أعتبر بريكست قرارا عظيما، ولكنني في الوقت نفسه لا أعتبرها قرارا سيئا.

 


*أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة جورج مايسون
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»