عندما كانت «توكونبوه إشمايل» تسير في شوارع لاجوس، العاصمة التجارية لنيجيريا، كانت هناك نساء يمارسن الأعمال التجارية في كل مكان تذهب إليه. كانت النساء يعملن بأكشاك قلي الكعك وشوي أسياخ اللحم، ويجلسن خلف ماكينات الخياطة التي تصنع تصميمات حسب الطلب، ويتنقلن بين السيارات في الاختناقات المرورية في نيجيريا لبيع معطرات الجو ولعب الأطفال للراكبين الذين يشعرون بالملل. لكن داخل المكاتب المكيفة، حيث كانت تعمل «إشمايل» في أحد البنوك، وبعد ذلك في مجال الأسهم الخاصة، كانت القصة مختلفة. فعلى الرغم من أن أفريقيا لديها أعلى المعدلات في ريادة الأعمال النسائية في العالم، إلا أن هناك فجوة تمويلية تبلغ حوالي 42 مليار دولار بين رواد الأعمال من الرجال والنساء في القارة، وفقاً لبنك التنمية الأفريقي. وفي عام 2018، على سبيل المثال، تلقّت الشركات الأفريقية الناشئة تمويل رأس مال استثماري بنحو 725 مليون دولار، نسبة 2% منه فقط ذهبت إلى الأعمال التجارية المملوكة للنساء.
وتعد «إشمايل» جزءاً من مجموعة متنامية من المستثمرات في أفريقيا يحاولن إعادة صياغة تلك القصة من خلال الاستثمار في الأعمال التجارية المملوكة للنساء والمعنية بخدمتهن. في عام 2016، شاركت في تأسيس صندوق «أليثيا» لشركاء الهوية «Alitheia Identity Fund»، في إطار شركة «Alitheia Capital» للأسهم الخاصة حيث تشغل منصب العضو المنتدب، للتركيز على ذلك الهدف. حتى الآن، جمع الصندوق حوالي 70 مليون دولار.
ويقول مستثمرون مثل إشمايل إن هناك واجباً أخلاقياً لهذا العمل، لأنه يجلب النساء إلى أماكن السلطة والثروة وصنع القرار التي تم استبعادهن منها تاريخياً. وتقول إشمايل: «نحن نعمل في مجال كان لا يتم استثمار الأموال فيه ورأينا فرصة». ثم تذكر بعض الإحصائيات مشيرة إلى أن الشركات التي تملكها النساء تنمو بشكل أسرع، وتستخدم المال بشكل أكثر كفاءة، وتحقق أرباحاً أكثر من الشركات التي يملكها الرجال. وبشكل عام، فإن التنوع يجعل الشركات أكثر إبداعاً وابتكاراً. وتضيف: «أريد لنيجيريا أن تحقق إمكاناتها الكاملة وأريد أن تصل أفريقيا إلى كامل إمكاناتها، ولن يحدث ذلك إذا لم يتم استغلال إمكانات المرأة بالكامل».
لكن المشكلة تتجاوز أفريقيا؛ ففي الولايات المتحدة تتلقى الشركات النسائية بالكامل حوالي 2% من أموال رأس المال الاستثماري. وفي المملكة المتحدة، يحوم الرقم حول 1%. وتتفاقم المشكلة بالنسبة للنساء ذوات البشرة الملونة. في الولايات المتحدة، كانت مؤسسات السود تتلقى 6 دولارات فقط من كل مليون دولار.
ويقول الخبراء إن المشكلة تكمن في حرمان النساء من المشاركة على جميع المستويات عندما يتعلق الأمر برأس المال الاستثماري، والأسهم الخاصة، وحتى الأشكال الأكثر تقليديةً للإقراض والاستثمار مثل القروض المصرفية.
وتقول «شارون ماكفيرسون»، المستثمرة منذ فترة طويلة في الأعمال التجارية في أفريقيا والمحاضرة في كلية إدارة الأعمال بجامعة كيب تاون: «التمويل ليس مجالا محايداً بين الجنسين». وأضافت: «تعمل المستثمرات والنساء اللاتي لديهن شركات في مجالات لم تنشأ من أجلهن. إنهن يسبحن ضد التيار، بينما يسبح الرجال مع التيار». وتذكر ماكفيرسون أن هناك العديد من العقبات أمام مشاركة المرأة، حيث نجد أن 37% فقط من النساء الأفريقيات لديهن حساب مصرفي، مقارنةً بـ48% من الرجال، وهذه الفجوة آخذة في الاتساع، حتى مع ازدياد إمكانية الحصول على التمويل. وغالباً ما يتم تثبيط النساء عن اقتراض الأموال، سواء من قبل المقرضين أو بسبب افتقارهم إلى التثقيف المالي.
وعلى نطاق الشركات الناشئة التي تبحث عن صناديق رأس المال الاستثماري والشركات الراسخة التي تسعى للحصول على أموال الأسهم الخاصة، لا تزال النساء يكافحن من أجل أخذ أفكارهن على محمل الجد بسبب التحيزات الواعية وغير الواعية بين الجنسين. وقد أظهرت دراسة أجريت عام 2014 من جامعة هارفارد، على سبيل المثال، أن تقديم عرض للمستثمرين بصوت امرأة كان أقل احتمالا للحصول على تمويل من العرض المقدم بصوت الرجل، حتى عندما يكون المحتوى متطابقاً. ووجدت دراسة أخرى في عام 2017 أن النساء المؤسِّسات كن أكثر ميلا لتوجيه أسئلة «وقائية» حول أعمالهن، أي أسئلة تركز على خسائرهن المحتملة. ومن ناحية أخرى، كان يُطرح على الرجال المزيد من الأسئلة التي تركز على «المكاسب والمكاسب المحتملة» لأعمالهم، وهو خط من الأسئلة كان ينتج عنه ستة أضعاف التمويل في المتوسط.
ويميل العديد من المستثمرين إلى الاستثمار في المجالات التي يهيمن عليها الذكور، مثل التكنولوجيا والتعدين والزراعة، أكثر من الشركات القائمة على المنتجات أو الخدمات التي تستهدف النساء، مثل صحة الأم أو المكياج. والكثير من التواصل الذي يؤدي إلى تلك الصفقات ما زال يحدث في أماكن غير رسمية لا تستطيع النساء حضورها أو لا تتم دعوتهن إليها، مثل ألعاب الجولف وحفلات ما بعد العمل.
تقول «نثابيسينج موليكو»، خبيرة التنمية الاقتصادية ونائبة رئيس لجنة المساواة بين الجنسين في جنوب أفريقيا: «هناك حواجز غير مرئية أمام دخول النساء لا يراها الرجال ولا يواجهونها».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»