بالنظر إلى أن عدد الإصابات بفيروس «كوفيد-19» تخطت 80 مليون شخص، وقاربت الوفيات مليوني شخص، فقد أصبح الوباء الحالي تحدياً صحياً غير مسبوق للجنس البشري، على الأقل خلال مئة عام الماضية. لكن في الوقت ذاته، ترصع 2020 بالعديد من الإنجازات البشرية والتطورات الإيجابية التي تظهر قدرة البشر على الابتكار والتكيف والبقاء.
فعلى سبيل المثال، تم الإعلان بشكل رسمي، نهاية شهر أغسطس الماضي، عن القضاء على فيروس آخر هو فيروس شلل الأطفال في كافة بقاع القارة الأفريقية التي ظل سكانها وباقي أفراد الجنس البشري قبلهم، يصارعون قروناً طويلة ضد هذا الفيروس. إنه إنجاز تاريخي بكل المقاييس، بالنظر إلى أنه قبل عقدين فقط كان فيروس شلل الأطفال يتسبب في شلل عشرات الآلاف من الأطفال سنوياً في أفريقيا، 75 ألفاً منهم في عام 1996 وحده.
كما شهد شهر مارس الماضي، الإعلان عن نجاح أحد علماء جامعة كامبريدج في تحقيق الشفاء التام لمريض من فيروس الإيدز، بالاعتماد على نقل وزراعة خلايا جذعية من شخص مقاوم وراثياً لهذا الفيروس اللعين، الذي تسبب في وفاة عشرات الملايين من البشر منذ ظهوره.
وغني عن الذكر هنا، أن الوباء الحالي أعاد كتابة القواعد والقوانين التي تحكم اكتشاف وتطوير التطعيمات ضد الأمراض المعدية المختلفة. فقبل وقت ليس بالبعيد، كان يستغرق تطوير تطعيم ما، عشر سنوات في المتوسط، وأحياناً عشرات السنين. لكن بسبب الوباء الحالي، تضافرت جهود الجامعات والمراكز العلمية من مختلف دول العالم، وسارعت الحكومات بتوفير المصادر المالية للبحث العلمي، بسخاء غير مسبوق، ليتم تطوير عدة تطعيمات في آن واحد، وفي غضون أقل من عام.
هذا الإنجاز العلمي، ومن دون أدنى شك، غير مسبوق، وهو يعيد كتابة قواعد اللعبة في الصراع الأبدي بين الجنس البشري وبين العديد من الكائنات المجهرية، من الفيروسات وأنواع البكتيريا، حيث تُطلَق بين الحين والآخر تحذيرات من أن الجنس البشري، عرضة لأوبئة مماثلة من فيروسات أخرى. لكن في ظل الدروس المستفادة من الوباء الحالي، والاختراقات العلمية التي تحققت ضمن جهود مكافحته، أصبحت البشرية في وضع أفضل بكثير في مواجهة أي وباء آخر مستقبلاً. 

*كاتب متخصص في الشؤون الصحية والعلمية