المبعوث الأممي مارتن غريفث وصف الاعتداء على مطار عدن بجريمة حرب، في حين تغاضى عن كارثة اسمها «صافر»، والتي تمثل تهديداً لجودة حياة الملايين من البشر والبيئة على ضفتي البحر الأحمر لعقود وليس فقط سلامة الملاحة في باب المندب. إلا أن ما يميز المبعوث الأممي عن أقرانه السابقين، كونه سليل بيروقراطية الدولة البريطانية.
فإنْ اختلف سائس المظلومية في الملف اليمني، إلا أن الأمر لم يخرج عن نفس الفلسفة والعرابة السياسية، التي أؤسس عليها بناء الأدوات وتوظيفاتها التاريخية حتى قبل سايكس بيكو. والنوايا ثبتت قبل 2003 بكثير، لذلك يجب ألا ينحصر جهد «تحالف إعادة الشرعية» في المفهوم العام للهدف العام، بل أن يتصل ذلك بتمكين الأدوات اللازمة لتخليق الدولة الوطنية الناجزة أو البحث في خيارات قابلةٍ للاستدامة.
اليمن لا يحتمل أجراء المراجعات الكبرى الآن، بل التحوط من مخاطر الانغماس المُكلف نتيجة التعاطي مع اليمن بأدوات الغير. وذلك تحديداً ما أثبتته التجربة، ففي حين يبدو للعيان السيطرة شبه المطلقة على المشهد العام، نجد أطرافاً أخرى ممسكة بخيوط الأزمة. ومن الطبيعي أن يكون هنالك ذلك التسابق على الإمساك بخيوط الأزمة من قبل تلك الأطراف، إلا أن البون شاسع بين إدراكنا للممكن واللاممكن في المجازين، الدولي واليمني.
سياسة «الإمساك» بخيوط الأزمات ليس بالجديد أو المبتكر، وبغلة الاضطهاد الطائفي التي امتُطيت في غزو العراق، هي ذاتها التي يُنحر بها اليمن اليوم. و«الحوثي» يدرك آليات الدوذنة السياسية اللازمة وتوقيتاتها بما يتناغم والعزف الجماعي لمجلس الأمن أو المنفرد لمن يعتبر نفسه الوصي الأخلاقي الجديد بعد فشل الولايات المتحدة في العراق. لذلك، يتعين على التحالف إدراك ضرورات إطلاقه لعملية تحفيز أكثر تكافؤاً، والتي لا يجب أن تقتصر على المصالحة وتشكيل حكومة وحدة وطنية، بل يجب أن يتصل ذلك بالخيوط الخارجية الممسكة بالأزمة، ولعل الحُديدة هي الرسالة اللازمة لذلك.
اليمن في حالته القائمة قد يبدو معقداً أو مكبلاً بأكثر مما يشتهي اليمنيون، إلا أن الاستسلام لذلك الواقع سيقود لتسلط شبه كلي للممسكين بالخيوط على هذا الملف. وأولوية هؤلاء الآن، هي استدامة الأزمة لما لها من فوائد على رسم مستقبل الخارطة السياسية في القرن الأفريقي وجنوب شبه الجزيرة العربية، وما يطور من مفهوم جديد للأمن في المحيط الهندي.
من المنظور السياسي، فإن الخيار العسكري هو ما يجب أن يُقدم على ما سواه بعد تشكيل حكومة الوحدة اليمنية، وفي حال تأخرت الشرعية في بسط سيادتها الوطنية على كافة الأرض اليمنية، فإنها ستفشل في إقناع التحالف بضرورة بقائه ضمن الإطار العام لتأسيسه. وعلى التحالف أن يلجأ في التفكير في خيارات استراتيجية أخرى، من ضمنها تحديات ومخاطر استدامة دولة فاشلة على الأمن القومي لعموم دول شبه الجزيرة العربية.
* كاتب بحريني