لا شك أن القمة الحادية والأربعين لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي انعقدت في محافظة العلا بالمملكة العربية السعودية الشقيقة الثلاثاء الماضي، تعد واحدة من أهم القمم الخليجية، بل يمكن وصفها بـ«الاستثنائية والتاريخية»، ليس فقط لأنها طويت واحدة من أعقد الأزمات التي واجهت المجلس منذ تأسيسه عام 1981، وهي الخلاف بين قطر وبين دول الرباعي العربي(السعودية والإمارات والبحرين ومصر)، وإنما أيضاً لأنها أظهرت بوضوح حرص قادة المجلس على وحدته وتماسكه، وعودة روح التعاون إليه، باعتبارها ضرورة استراتيجية في مواجهة كافة التحديات التي تواجه دول المجلس على الصعد كافة.
هذه القمة التي تعد الأولى في العقد الخامس من مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية تكتسي أهمية بالغة من اعتبارات عدة، أولها أنها شكلت نهاية للخلاف الخليجي بشكل تام وعودة العلاقات الطبيعية بين الرباعي العربي وقطر، في تطور من شأنه أن يعزز من وحدة الصف الخليجي والعربي في مواجهة المخاطر والتحديات التي تواجه الأمنين الخليجي والعربي، ولهذا فإن توقيع مصر على البيان الختامي لهذه القمة إنما هو تأكيد على التوافق الجماعي على تحقيق المصالحة الشاملة، التي تؤكد في دلالتها على أن مبادئ الإخوة الخليجية تظل القيمة العليا، التي من شأنها تجاوز أي خلافات أو تباينات في الرؤى بين دول المجلس. 
ثاني هذه الاعتبارات أن هذه القمة أعادت توحيد الصف واللُحمة الخليجية باعتبارها أهم السمات التي تميز مجلس التعاون لدول الخليج العربي عن غيره من التجمعات الإقليمية والدولية الأخرى، وبدا هذا واضحاً في بيانها الختامي الذي أكد على الأهداف الجوهرية للمجلس، والتي نص عليها النظام الأساسي، وخاصة فيما يتعلق بتحقيق التعاون والترابط والتكامل بين دول المجلس في جميع المجالات، وصولاً إلى وحدتها، وتعزيز دورها الإقليمي والدولي، والعمل كمجموعة اقتصادية وسياسية واحدة للمساهمة في تحقيق الأمن والسلام والاستقرار والرخاء لدول وشعوب المنطقة. 
ثالث الاعتبارات التي تؤكد أهمية هذه القمة أنها جاءت في ظل جائحة عالمية غير مسبوقة، وهي جائحة كوفيد-19، التي أفرزت – وما تزال – واقعاً صعباً على جميع دول العالم، وأثارت جملة من التحديات المختلفة، التي يتعين التعاطي معها بمنظور مختلف لاحتواء تداعياتها السلبية، ويحسب لهذه القمة أنها استحدثت آلية جديدة للتعامل مع هذه النوعية من الأزمات الصحية والأوبئة العابرة للحدود، وهي «المركز الخليجي للوقاية من الأمراض ومكافحتها»، وأكدت على أهمية تفعيل دوره وتمكينه بشكل سريع، ليكون الإطار الذي يتولى مهمة تنسيق العمل الخليجي المشترك لمواجهة جائحة كورونا وغيرها من الأوبئة والأمراض المتفشية. 
إن الروح الإيجابية التي ميزت القمة الخليجية الحادية والأربعين تشير بوضوح إلى أن هناك إيماناً وإدراكاً قوياً من جانب قادة دول المجلس بأهمية توثيق التعاون والتكامل الخليجي، خاصة في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها المنطقة والعالم من حولنا، وتشهد فيها جملة من التحديات المتفاقمة، والتي تتطلب التسامي فوق أية خلافات والعمل على توحيد الصف في مواجهتها، وبدا هذا واضحاً في العديد من مخرجات البيان الختامي للقمة، والتي أكدت على أن أمن دول المجلس كل لا يتجزأ، وعلى مبدأ الدفاع المشترك ومفهوم الأمن الجماعي استناداً للنظام الأساسي لمجلس التعاون واتفاقية الدفاع المشترك، وغيرها الكثير من القرارات الإيجابية، التي من شأنها الانطلاق بالعمل الخليجي المشترك إلى آفاق أرحب في الفترة المقبلة.
القمة الخليجية الحادية والأربعون تؤرخ لمرحلة جديدة في مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، عنوانها وحدة الصف وتماسك البيت الخليجي، وإعلاء المصالح المشتركة والتضامن في مواجهة التحديات والمخاطر، وهذا إنما يعزز من الثقة والتفاؤل في المستقبل، لأن هناك إرادة خليجية موحدة قادرة على تجاوز أي خلافات أو أزمات مهما كانت درجة تعقيدها، وحرص مشترك من جانب قادة دول المجلس على المضي قدماً في مسار العمل الخليجي المشترك، وبالشكل الذي يستجيب لتطلعات الشعوب الخليجية في الأمن والاستقرار والرفاه والازدهار.
لقد استطاع مجلس التعاون لدول الخليج العربية الحفاظ على تماسكه على مدار العقود الأربعة الماضية، وواجه مختلف التحديات التي واجهته، لأن هناك قناعة لدى دوله، قيادات وشعوباً، بأنه يمثل المظلة التي تحافظ على المكتسبات والإنجازات التي تحققت على الصعد كافة، الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية، وأن استمراره وتعزيز دوره لتعظيم هذه المكتسبات من أجل صالح الشعوب الخليجية هو خيار استراتيجي، وهذا ما أكدت عليه القمة الحادية والأربعون، التي تمثل بداية انطلاقة كبرى لمسيرة المجلس، وتعزيز دوره الفاعل والمؤثر على الصعيدين الإقليمي والدولي.

*إعلامي وكاتب إماراتي