عندما أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، يوم الأربعاء الماضي، فرض إغلاق شامل في إنجلترا مرة أخرى، قال إن هذه الفترة هي الأصعب في مجال مواجهة جائحة كورونا. وليست بريطانيا وحدها التي تعاني تفاقم الأزمة الصحية الآن، وتجاوزها أقصى ما بلغته خلال ما عُرف بالموجة الأولى في العام الماضي. عدد متزايد من دول العالم تواجه وضعاً هو الأكثر خطراً منذ أن ظهر الفيروس القاتل.
ويثير الانتباه أن اشتداد حدة الأزمة الصحية يتزامن مع انطلاق عملية تطعيم الناس في دول عدة، بما فيها الدول التي صارت هذه الأزمة أكثر خطراً فيها. فقد لوحظ أن أعداد المصابين في بعض هذه الدول ازدادت بعد إطلاق حملات التطعيم بها، مقارنةً بما كانت عليه في الأيام السابقة. وبريطانيا ليست مثالاً وحيداً في هذا المجال.
غير أن الأمل في وضع حد للأزمة يزداد كلما بدأ استخدام لقاح جديد. وفي اليوم الذي أُعلن الإغلاق الشامل في إنجلترا، بُدئ في استخدام لقاح أوكسفورد-سترازنييكا للمرة الأولى، إلى جانب لقاح فايزر-بيونتيك الذي انطلقت حملات التطعيم به في دول عدة في الأسبوعين الثاني والثالث في الشهر الماضي.
وقد وصل عدد مَن تلقَّوا هذا اللقاح في بريطانيا حوالي مليون ومائة ألف في اليوم الذي لم تجد حكومتُها مفراً من إغلاق شامل مرة أخرى. لذلك يبدو أن الفيروس يسجل تقدماً في سباقه مع عمليات التطعيم التي تهدف إلى الحماية منه. وربما يستمر هذا التقدم لعدة أشهر، خاصةً الفترة الباقية من فصل الشتاء، حيث يزداد انتشار الفيروسات التي تُصيب الجهاز التنفسي. وسيتطلب الأمر وقتاً أطول بعد نهاية هذا الفصل، إلى أن يبدأ أثر عمليات التطعيم في الظهور، أخذاً في الاعتبار كشف سلالات جديدة من الفيروس توصف بأنها مُتحوّرة وسريعة الانتشار.
وثمة قلق في أوساط بعض علماء الأوبئة والفيروسات بشأن مدى فاعلية اللقاحات التي بُدئ في التطعيم بها، وغيرها الجاري تطويرها وبلغت مراحل التجارب السريرية، في مواجهة السلالات الجديدة المتحوّرة التي يوجد اعتقاد بأن مزيداً منها سيظهر في الفترة المقبلة. وفيما رُجح أن لقاحي فايزر-بيونتيك وأوكسفورد-سترازنييكا يعملان بكفاءة في الحماية من السلالة المُتحورة التي ظهرت في بريطانيا وانتشرت بمعدلات أقل حتى الآن في دول أخرى، لا يوجد يقين بعد بشأن فاعليتهما في مواجهة تلك التي عُثر عليها في جنوب أفريقيا.
ويُعتقد أن الفيروس سيبقى متقدماً في السباق إلى أن تتسارع عمليات التطعيم التي لوحظ أنها اتسمت بالبطء في الأسابيع الأولى لإطلاقها في دول معظمها في شمال العالم، ويُصنَّف كثير منها ضمن البلدان الصناعية الكبرى الأكثر تقدماً. فقد واجهت عمليات التطعيم، ولا تزال، عراقيلَ لوجستية في نقل جرعات اللقاح وتخزينها بشكل آمن، فضلاً عن مشاكل تنظيمية ربما يعود أهمها إلى تأخرٍ في توفير تمويل سريع لتعيين أعداد إضافية من العاملين اللازمين لتوزيع اللقاحات في الأقاليم أو المقاطعات، ولتجهيز أعداد كافية من مراكز التطعيم.
كما حدث ارتباك في بعض الدول بشأن كيفية التعامل مع أعداد محدودة من الجرعات حصلت عليها، واضطرت إلى تأخير موعد الجرعة الثانية من أجل إعطاء أعداد أكبر من السكان الجرعة الأولى.
لكن المتوقع أن تقل العقبات اللوجستية في الفترة المقبلة، بعد استخدام لقاحات أخرى إلى جانب لقاح فايزر-بيونتيك الذي يتطلب حفظُه تجهيزاتٍ غير عادية لا تتوفر بالمقادير الكافية، حتى في الدول الأكثر تقدماً، خاصةً أجهزة التبريد المناسبة له. ومن الطبيعي أن تقل المشاكل التنظيمية تدريجياً مع اكتساب الخبرة التي لم تكن موجودة في التعامل مع جائحة ضربت العالم فجأةً.
وعندئذ يقل التقدم الذي لا يزال الفيروس يُحرزه في سباقه مع عمليات التلقيح، إلى أن يُقلب الاتجاه عندما يتم تطعيم عدد كاف من المواطنين والمقيمين. وستكون الدول التي سبقت إلى إطلاق عمليات التطعيم سابقةً أيضاً في الوصول إلى حالة مناعة جماعية تتطلب تلقيح أكثر من نصف المواطنين والمقيمين في كل منها.
ويصعب الآن توقع المدى الزمني اللازم لحدوث هذا التحول، الذي يُعيد الحياة إلى طبيعتها، لكن تقديرات معتمدة على المعطيات الراهنة تفيد بأنه قد يتحقق في بعض الدول بين أكتوبر 2020 ومارس 2021، فيما سيستغرق وقتاً أطول في دول أخرى.