الثقافة الشعبية هي النبع الذي نستمد منه العادات والتقاليد والقيم والأفكار والرؤى التي تشكل سلوكيات أفراد المجتمع، والتي تعبر عن ثقافته الوطنية، وبالتالي هي المؤثر الأكبر في الهوية الوطنية.
مع كل صباح، تتحرك التكنولوجيا حركة نحو الأمام بالمزيد من التطور والابتكار والانغماس في السيطرة على حياة الإنسان والإحاطة بكل مكوناته الذهنية والروحية.. ومع كل هذا التوغل لشبكات التواصل الاجتماعي وتحول الفضاء الإلكتروني إلى وطن افتراضي للمقيمين عليه، بدأ يظهر على السطح مصطلح المواطنة الافتراضية، وبدأت تكون ثقافتها الخاصة، ورويداً رويداً سيصبح لها حضورها وأثرها الواسع في بناء شخصية الإنسان، وهنا تبدأ الثقافات الشعبية في مختلف البلدان تتأثر وتتراجع عن بناء شخصية المواطنين، ونحن في الإمارات لسنا ببعيد عن هذا.
أظن أنكم لن تختلفوا معي في أن الأجيال الجديدة تجهل الكثير من تراثنا الشعبي. فهل جربتم أن تختبروا معرفة أبنائكم بإحدى شخصيات قصصنا الشعبية القديمة معرفة حقيقية مؤثرة في شخصيته، وقارنوا بينها وبين معرفته بشخصية كرتونية عالمية كبوكيمون مثلاً أو سندريلا أو غيرهما، وأعرف أنكم ستنصدمون من النتيجة، وهي أن ابنك يجهل كثيراً عن شخصيات القصص الشعبية، ولكنه يعلم تفاصيل حياة سندريلا أو بوكيمون أو سبايدرمان. 
مؤشرات أخرى تشير إلى أن هناك تراجعاً كبيراً للثقافة الشعبية أمام الثقافة الافتراضية والتحول من دون وعي للنموذج الآخر من الثقافة، وهو تحول وليس مجرد تفاعل لإعادة إنتاج ثقافة شعبية خاصة، نظراً لأن الثقافة الشعبية ليست جامدة، بل يمكن إعادة إنتاجها، وهي بالتأكيد حتى وصولها لنا مرت بمراحل كثيرة من الإضافة والتعديل عبر الأجيال المتتالية، ولكن في النهاية كانت هذه الإضافات والتعديلات تحدث بروح إماراتية أصيلة. ولكن اليوم نحن لسنا بصدد تعديل، لكننا بصدد إزاحة فعلية للموروث الثقافي الشعبي في بناء شخصية الأبناء، وهنا ننير ضوءاً أحمر لننتبه أننا نرتدي ثوباً إماراتياً، لكننا نحتفظ داخله بروح تبتعد رويداً عن النسق الإماراتي، وتحدث لها إزاحة ستصل يوماً إلى الاختفاء والانزواء، ولن تتواجد إلا في كتب الباحثين الأكاديميين فقط.
نحن لن نستطيع أن نعيش بمعزل عن العالم الافتراضي، ولا الثقافات الأخرى، ولا يمكن لأي ثقافة في العالم حالياً أن تنغلق على نفسها، والوطن الافتراضي يوماً وراء يوم يصنع هويته العالمية كما أشرت سابقاً، ويبتلع رويداً كل الثقافات والهويات الشعبية. لكن لابد أن يكون لدينا وسائل دفاعية تجعلنا نحتفظ برصيد الهوية والثقافة الشعبية في تكوين شخصية الطفل، لابد أن يكون لدينا برامج ذكية تتعامل مع عقلية الطفل الواعية بشبكات التواصل الاجتماعي، وتعيد تقديم الثقافة الشعبية في صورة تفاعلية متطورة وتستخدم تقنيات التطور التكنولوجي الحديثة، وتستخدم في المقام الأول قوة الفن والإشباع البصري والسمعي عند الأطفال، والذي سيحقق له الإشباع الفكري والعاطفي من الثقافة الشعبية الإماراتية، لكن قبل ذلك لابد أن نمتلك وعياً كافياً، بأنه ليس كل الموروث مطلقاً في القيمة، بل قد يكون هناك مواريث تحتاج لمراجعة وإعادة صياغة، فمعطيات الماضي تختلف عن الحاضر.
أقولها بكل صدق وأمانة: نعم، تراجع تأثير الثقافة الشعبية في تكوين الشخصية الإماراتية بشكل كبير، وخلال جيلين أو ثلاثة قد نصل إلى النقطة صفر في تأثيرها في بناء شخصية الإنسان الإماراتي.
ـ. ــــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
*أستاذ زائر بكلية التقنية العليا للبنات، وباحثة إماراتية في الأمن الاجتماعي والثقافي.