بينما تشرع الهند في استخدام لقاحات كوفيد- 19 هذا الأسبوع، من المتوقع أن تشكّل دبلوماسية اللقاح جزءاً رئيساً من الجهود الهندية لمساعدة الجيران مستقبلاً. دبلوماسية يتوقع أن تعزّز نفوذ نيودلهي في الإقليم، إذ تعمل الهند حالياً على تقاسم جرعات اللقاح مع بلدان مجاورة، مثل سريلانكا والنيبال وبنجلاديش، في إطار جهودها الرامية لتوفير المساعدة والخبرة الطبية لجيرانها الأصغر. فقد أكد كل المسؤولين الهنود، من رئيس الوزراء إلى وزير الخارجية وأعضاء آخرين في الحكومة، أن الجيران هم أولى أولويات الهند فيما يتعلق بتوفير المساعدة في زمن كوفيد- 19. 
هذه المبادرة تُرجمت إلى أشياء مختلفة، من تدريب المسؤولين الطبيين في التجارب السريرية إلى تقاسم الكمامات ومعدات الوقاية في وقت سابق، خلال ذروة الوباء العام الماضي. والآن، تحوّل اهتمام الهند إلى توفير اللقاحات، نظراً لأن البلد مشهور بقدراته في إنتاج اللقاحات. والواقع أن دبلوماسية اللقاح الهندية بدأت منذ أشهر، ومن المتوقع أن يلعب العملاق الجنوب آسيوي دوراً محورياً في توفير لقاحات كوفيد- 19 للبلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط. وكان وزير الخارجية الهندي قد وعد نيبال في نوفمبر الماضي بأن احتياجاتها من اللقاح ستحظى بالأولوية في الهند. 
وتسعى النيبال للحصول على 12 مليون جرعة، ومن المتوقع أن يكون هذا الموضوع ضمن أجندة المباحثات خلال زيارة وزير الخارجية النيبالي براديب غيافالي إلى الهند هذا الأسبوع. والشهر الماضي، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قد طمأن نظيرته البنجلاديشية شيخة حسينة بأن الهند ستولي اهتماماً خاصاً باحتياجات داكا من لقاحات كوفيد- 19. كما وقّعت بنجلاديش اتفاقاً مع «معهد الأمصال الهندي» لشراء 30 مليون جرعة. وإلى ذلك، أجرى جيران آخرون مثل ميانمار محادثات مماثلة من أجل الحصول على اللقاح. وفي بوتان أيضاً، هناك مباحثات حالياً حول تأمين اللقاحات الهندية لمواطنيها. 
ولئن كان هدف نيودلهي الرئيس هو مساعدة البلدان الأصغر في الحي، فإن دبلوماسية قوتها الناعمة ستكون واضحة للعيان بشكل أكبر خلال الأشهر المقبلة. وبالنسبة للهند هناك تضافر عدة عوامل فيما يتعلق بازدياد أهميتها العالمية. إذ من المتوقع أن يكون هناك طلب كبير في جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا على اللقاحات المنتجة في الهند، ومن المتوقع أن يلعب البلد دوراً مهماً في تلبية هذا الطلب، ومساعدة البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط. وهو ما سيساعد نيودلهي على إظهار قدراتها القيادية في الساحة الدولية، وخاصة بعد أن حصلت على مقعد غير دائم بمجلس الأمن الدولي هذا الشهر. 
وكانت الهند اعتمدت لقاحين من أجل الاستخدام الطارئ هذا الشهر، أحدهما طوِّر من قبل «آسترا زينيكا» وجامعة أوكسفورد، ويُصنع حالياً في الهند من قبل «معهد الأمصال الهندي». أما الآخر، فهو لقاح محلي يدعى «كوفاكسين»، وتنتجه حالياً شركة «بهارات بايوتيك» المحلية بتعاون مع «المجلس الهندي للبحث الطبي»، و«المعهد الوطني لعلم الفيروسات». وتُعد الهند ثالث أكبر منتج للأدوية في العالم، ومن المتوقع أن تكون مصدَراً رئيساً للقاح بالنسبة للبلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط مستقبلاً -- حتى في وقت تهيمن فيه البلدان الغنية على السوق. وقد صنع البلد لنفسه سمعة باعتباره «صيدلية العالم»، إذ يوفّر أدوية عالية الجودة ورخيصة الثمن في عدد من الأمراض عبر العالم. وتنتج الهند 50 إلى 60 في المئة من الطلب العالمي على العديد من اللقاحات، بما في ذلك أدوية رخيصة مضادة للفيروسات المعكوسة، و40 في المئة من الأدوية الجنيسة في الولايات المتحدة، و25 في المئة من كل الأدوية التي توصف في المملكة المتحدة. 
غير أن مدى قدرة الهند على مساعدة البلدان الأخرى يعتمد أيضاً على الكيفية التي تنوي بها تلبية احتياجاتها الداخلية. هذا علاوة على القيود اللوجيستية على دبلوماسية اللقاح. ذلك أن الهند هي ثاني أكثر بلد إصابة بالفيروس، بأكثر من 10.4 مليون حالة إصابة. وتعتزم البلاد تلقيح 300 مليون شخص من سكانها خلال المرحلة الأولى. والمشكلة التي يتعاطى معها المسؤولون داخل الحكومة حالياً تتعلق بكمية اللقاحات التي يستطيع البلد الجنوب آسيوي توفيرها للخارج، مع أخذ احتياجاته الداخلية بعين الاعتبار؛ غير أن هذا لم يمنع الهند من الاضطلاع بدور قيادي فيما يتعلق بتوزيع الإمدادات الطبية، مثل معدات الوقاية في الحي وخارجه عندما بدأ الوباء العام الماضي. 
وفي مؤشر على مدى تهافت بلدان العالم على اللقاح وتركيزها على الهند، تتدفق الطلبات على اللقاحات المنتَجة في الهند من خارج الإقليم. وفي هذا الإطار، ترغب البرازيل، التي تُعد من بين أكثر البلدان تضرراً من الوباء، في الحصول على لقاح «آسترا زينيكا». كما عقدت عيادات برازيلية خاصة اتفاقا لتزويدها بلقاح «كوفاكسين»، الذي حصل على موافقة الجهات المنظِّمة في الهند من أجل الاستخدام الطارئ من دون انتظار نتائج اختبارات المرحلة الثالثة. وقد سبق لصانعيه أن أكدوا مراراً وتكراراً أن اللقاح آمن. 
والأكيد أنه من هنا فصاعداً ستلعب دبلوماسية اللقاح الهندية دوراً مهماً في وقت تعتزم فيه البلاد مساعدة أصدقائها والبلدان التي تعتبرها جديرة بالأولوية، ليس داخل جنوب آسيا فقط، ولكن خارج حيّها المباشر أيضاً.
* مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي