أثار داعية متطرف الجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي بانتقاده مشروع «البيت الإبراهيمي» في الإمارات. اللافت أنه بينما يحاول التنويريون التقريب بين معتنقي الديانات المختلفة، نجد دائماً أن المتطرفين يحاولون التأكيد على الانقسامات. ولكي تكون حجتهم المزعومة قوية يتم إقناع الجمهور بالكذب تارة مثل الادعاء أن البيت الإبراهيمي دعوة لوحدة الأديان لتتحد في معتقد واحد، وهو أمر بعيداً تماماً عن الصواب. وهؤلاء يتلاعبون بتفسير الآيات القرآنية لكي تبرر حججهم، وهم بهذا الأسلوب يستخدمون القرآن، وفق منطق «كلام حق يُراد به باطل». 
وليزيد الداعية من تأجيج الجماهير ضد البيت الإبراهيمي، فقد طرح آيات قرآنية، تنص إحادها: «يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰٓ أَوْلِيَآءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍۢ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُۥ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ»، فسبب نزول الآية: (أنه عندما كانت وقعة أحُدٍ، اشتدّ على طائفة من الناس، وتخوَّفوا أن يُدَال عليهم الكفَّار، فقرر البعض أن يلحق باليهود والبعض الآخر بالنصارى طلباً للأمان، فأنزل الله تعالى هذه الآية كي لا تكون الموالاة لغير جيش المسلمين). فما علاقة هذه الآية وسبب نزولها بالبيت الإبراهيمي؟ يبدو واضحاً أن الداعية ساخط على الدعوة إلى المحبة والاحترام المتبادل بين الأديان المختلفة، لأن مشروعه لا يتحقق إلا من خلال نشر التطرف والكراهية. 
لعل من السمات البارزة في القرآن الكريم دعوته إلى التفكير العقلاني، وهذا ما أكد عليه المفكر الجزائري، محمد أركون، أن يبرز هذا العمق في قراءته الحداثية للقرآن، epistemology وهو خروج النص القرآني من حقل اللاهوت إلى الحقل العلمي الحديث. كذلك محمد الجابري، المفكر والفيلسوف المغربي، وضح في كتابه «مدخل إلى القرآن الكريم»، أن الفضاء القرآني كنص محوري مؤسس لعالم جديد، وهو ملتقى لحضارات وثقافات شديدة التنوع بصورة لم يعرفها التاريخ من قبل، وبالتالي ملتقى الأديان الإبراهيمية يقلل من الصراعات ويفتح أعين الكثيرين. فحسب القول المأثور «الإنسان عدو ما يجهل». نجد هذا الفكر المستنير هو عكس ما يدعو له دعاة التطرف بإلغاء العقل لكي يتمكنوا من تبعية الجماهير والهيمنة. 
إن أكثر ما أدى إلى تدهور حالة «العالم العربي الإسلامي» هو أفول الفكر الإسلامي النقدي الفلسفي، الذي كان في نهاية القرن التاسع عشر كفكر جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده، وبزوغ الفكر الظلامي مثل الفكر «الإخواني» المتمثل بفكر حسن البنا وسيد قطب. ولحسن الحظ توجد في منطقتنا دولة الإمارات التي تؤمن بالنهج التنويري الذي يدعو إلى التعايش بمحبة وسلام وجسدته في رسالة البيت الإبراهيمي، ولكي نغرس هذا النهج في الأجيال القادمة ونحميهم من الأفكار المتطرفة علينا تشجيع التعايش والسلام وإحياء رواده في المناهج الدراسية والجامعية، وإدخال منهج العلوم الإنسانية جنباً إلى جنب مع دراسات مقارنة للأديان والفلسفة.
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي