هل غيرت تركيا استراتيجيتها السياسية أم أنه سياستها ببساطة قائمة عل التناقض في المواقف والأفعال؟ إنه سؤال مشروع حول تركيا ودورها في محيطها العربي، هذا الدور الذي برز أخيراً من خلال تدخلات في دول عدة ودعم تيارات تخريبية على مدى سنوات طويلة. لكن ما دفعني للكتابة حول الشأن التركي هذه المرة هو تغير المواقف بشكل متسارع في عدة ملفات، مثل العلاقة مع إسرائيل، حيث لطالما استغل أردوغان هذا الملف ليطلق خطابات رنانة ويدّعي الوقوف مع الفلسطينيين وقطع العلاقات مع تل أبيب.. لكن فجأة ودون سابق إنذار يطلق دعوات لتحسين علاقات بلاده مع إسرائيل والانتقال بها «نحو الأفضل»، مؤكداً أن هذه العلاقات لم تتوقف على المستوى الاستخباراتي أبداً.
وفيما يبدو فإن هذه الهرولة نحو إسرائيل ليست اعتباطية، بل مخطط لها إذا علمنا أن تركيا وإسرائيل دعمتا أذربيجان في حربها مع أرمينيا مؤخراً. وإلى ذلك فقد أكد مسعود كاسين، مستشار الرئاسة التركية، أنه إذا خطت إسرائيل خطوة نحو تركيا فهذه ستقابلها بخطوتين، تأكيداً على رغبة أنقرة في تحسين العلاقات الدبلوماسية مع تل آبيب.
المفارقة أنه بالإضافة للتناقضات التركي الكثيرة والتذبذب في مواقف أنقرة، فإن أردوغان نفسه الذي يهرول الآن نحو إسرائيل سبق له أن انتقد الاتفاق الإبراهيمي للسلام، وقال وفي تدخل سافر وغير مبرَّر إنه يريد تعليق العلاقات مع الإمارات وسحب سفيره بسبب ذلك الاتفاق! فما الذي اختلف الآن إذن؟ ولماذا كانت تلك التعليقات والتصريحات؟ هل هي فقط للاستهلاك الإعلامي وللشحن الشعبوي في وقته؟ هذا الموقف التركي المتناقض ليس الأول من نوع، فهناك عشرات المواقف التركية المشابهة تجاه العواصم العربية التي تعارض تدخلات تركيا في الدول العربية ودعم الحركات التخريبية فيها.
أما عن الهرولة التركية الحالية تجاه إسرائيل، فلها عدة أسباب بعضها يتعلق بالتأزم الداخلي التركي على المستوى الاقتصادي والسياسي، فتركيا تعاني من تراجع اقتصادي حاد بسبب وباء كورونا وسياسات داخلية خاطئة، أما السبب الخارجي فيتعلق بفشل السياسة الخارجية لتركيا وعزلتها الدولية على جبهات عدة.
أما السبب الرئيسي لتغيير مواقف أنقرة فهو ببساطة قدوم الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن الذي تتوقع عدة قراءات سياسية أن يقف بالمرصاد للتصرفات التركية غير المسؤولة، وأن يفتح العديد من الملفات المقلقة لأنقرة، ولن يكون كسابقه دونالد ترامب.. وبهذا ستنتهي شهور العسل التركية الأميركية لتواجه واقعاً جديداً سيدفع أنقرة للبحث عن حلفاء أقوياء مثل إسرائيل وغيرها. وهنا تبرز تصريحات أردوغان الذي، وبشكل مفاجئ، عاد للتغزل بالاتحاد الأوروبي، وطلب استئناف المحادثات مع اليونان إيذاناً بعهد جديد، كما قال، بعد أن أقلقته التطورات الجديدة. فالخريطة الدولية تغيرت والتحالفات أيضاً. وكل ما ذكرناه سابقاً يؤكد حالة التخبط التركي وفشل السياسات التركية القائمة على استغلال الأوضاع في المنطقة وتعزير التدخل حتى في بلدان لا تشترك مع تركيا في أي حدود، كما في الحالة الليبية وغيرها. 
نأمل بأن التغيير الحالي والمقبل في السياسات الدولية يكبح جماح الدول التي لديها نزعة تمددية في سياساتها وأجنداتها، والتي أثرت في حالة السلم التي كانت تعيشها دول عديدة، وأججت الفوضى التي فيما يبدو أنها عاجلاً أم آجلاً سترتد على من يسعى لنشرها.

*كاتب إماراتي