ينقل تعهد الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن بعودة الانضمام إلى «اتفاق باريس» للمناخ رسالة مهمة إلى العالم عن القيادة الأميركية. لكن هذا التحرك لن يفعل سوى إعادتنا أربع سنوات إلى الوراء. وكي نمضي إلى الأمام، يجب على بايدن، في أول يوم له في المنصب، حشد زعماء «مجموعة العشرين» وإقناعهم بالانضمام إلى أميركا في دعم معايير إلزامية للمسعى العالمي لقياس ورصد المخاطر التي يواجهونها من تغير المناخ. إنها خطوة مهمة للغاية وفي متناول اليد تماماً، لأن مثل هذه المعايير موجودة بالفعل وحظيت بدعم دولي واسع النطاق.     

ففي عام 2017، وبرعاية «مجلس الاستقرار المالي»، أصدرت «قوة المهام الدولية للكشف المالي المتعلق بالمناخ»، برئاستي، مجموعة من الإرشادات لمساعدة الشركات على قياس ورصد المخاطر والفرص المناخية بما فيها تلك المرتبطة بالتحول عن الوقود الأحفوري. وهذه المعلومات تمكن الشركات من حماية نفسها وانتهاز الفرص وتقديم معلومات للمستثمرين يحتاجونها لاتخاذ قرارات ذكية، ويساعد في ضخ المزيد من رأس المال للشركات التي تتصرف بشكل مسؤول. 
وحتى الآن، هناك أكثر من 1600 شركة ومنظمة، في نحو 80 دولة في ست قارات، دعمت أو تبنت إرشادات الرصد الخاصة بـ«قوة المهام». والشركات تمثل مجتمعة أكثر من 16 تريليون دولار من رأسمال السوق الإجمالي، وتتضمن شركات مالية بها أكثر من 155 تريليون دولار في صورة أصول تديرها. وعدد الدول التي دعمت إطار العمل تتضمن كندا وفرنسا واليابان ونيوزيلندا. وأعلنت المملكة المتحدة بالفعل أنها ستعرض نفسها للكشف وفقاً للقواعد الإرشادية لقوة المهام. والدعم الرسمي من الولايات المتحدة لقواعد قوة المهام سيعمل على توحيد المسعى العالمي لقياس مخاطر المناخ وإزالة عدم اليقين بشأن إطار اللوائح، ويمكن من إقامة نظام واحد يتسق مع دول وصناعات مختلفة. وعلى الجانب الآخر، فعدم جعل الكشف أولوية آنية، أو خلق معيار أميركي جديد مختلف عما يتبناه باقي العالم، سيكون خطأ مكلفاً للغاية يوجه ضربة كبيرة للتقدم المناخي عالمياً. 
وبيانات مخاطر المناخ، مثل أي نوع آخر من البيانات المالية، لن تفيد المستثمرين إلا إذا استطاعوا مقارنتها بين الشركات المختلفة بشكل تصح فيه المقارنة. وإذا لم تكن البيانات متسقة ويمكن مقارنتها، فلن تفيد كثيراً. وحين تكون اللوائح المالية مرتبكة أو متناقضة في أنظمة قضائية مختلفة، فقد تعرقل الاستثمار والنمو الاقتصادي، بل تمهد التربة لأزمات اقتصادية في المستقبل. وأظهرت أزمة 2008 أن الدمار يحدث حين لا تكون المخاطر مفهومة بشكل ملائم وغير مكشوفة بشكل متسق، ولا يمكن تسعيرها في السوق. لكن بعد مرور عقد على الأزمة، مازالت الأسواق المالية تعمل إلى حد كبير في الظلام فيما يتعلق بتغير المناخ، وهو واحد من أكبر المخاطر التي تواجه الاقتصاد العالمي. 
وفي الولايات المتحدة، يتعين على الشركات العامة أن تكشف معلومات محورية عن صحتها المالية في تقارير ربع سنوية وسنوية للجنة البورصة والأوراق المالية حتى يستطيع المستثمرون وحملة الأسهم اتخاذ قرارات على أساس من المعلومات. لكن هذه المتطلبات لا تتضمن تحديداً معلومات بشأن المخاطر والفرص المرتبطة بتغير المناخ حتى إذا كانت ستؤثر فعلياً على كل صناعة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. والافتقار إلى المعلومات يترك الشركات والمستثمرين، بما في ذلك أنظمة المعاش العامة وحسابات التقاعد الفردية، عرضة لخسائر كبيرة. وهذا يهدد صمود واستقرار الاقتصاد العالمي. وهذا يجعل السوق يصب، بغير حق، في مصلحة الشركات المكشوفة على المخاطر أو تتجاهلها ويقف ضد الشركات التي تتصرف بشكل مسؤول. وبإخفاء الفرص عن الاستثمار الذكي، فإنها تبطئ الاستجابة العالمية على تغير المناخ. 

وزعماء الاقتصاد يعلمون أنه لا يمكنهم تجاهل تغير المناخ أو ادعاء عدم حدوثه. وهم يريدون تقليص المخاطر التي تواجهها شركاتهم. والمشكلة هي أن ليس لديهم ما يكفي من المعلومات لاتخاذ إجراءات. لكن هذا بدأ في التغير مع إدراك المزيد من قيادات القطاعات العامة والخاصة والدول حول العالم لأهمية تحسين كشف المخاطر ودعمهم لإرشادات قوة المهام. ولذا فنحن في لحظة حرجة. وفي الشهور التالية، ستتخذ الولايات المتحدة قراراً بشأن إطار عمل عالمي مفرد لتغيرات المناخ يساعد في الدفع نحو استجابة أسرع وأكثر فعالية لتغير المناخ أو أطر العمل المتعارضة التي تجعل من الصعب على المستثمرين والشركات معرفة المخاطر، مما يؤدي إلى المزيد من الضرر وإبطاء التقدم. والخيار الصحيح واضح والفوائد من اتخاذه لا مبالغة في أهميتها. 
وكشف المعلومات المناخية ليس موضوعاً لخطف الأبصار والاهتمام وكفى، بل هو من أهم الأدوات التي بأيدينا للإسراع بتحقيق تقدم في التصدي لتغير المناخ ومنع حدوث صعوبات اقتصادية كبيرة قد تتقزم أمامها على المدى الطويل تأثيرات الأزمة المالية لعام 2008. وكلما أسرعنا بجعلها ممارسة معيارية عالمياً، كلما أصبح الاقتصاد أقوى وأكثر أمانا. والولايات المتحدة تستطيع المساعدة في أن تكون لها الريادة في السير على الطريق.
مايكل بلومبيرج*
*عمدة مدينة نيويورك السابق. 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»